ص: 2

ص: 3

الإستراتیجیة الحربیة فی معرکة عاشوراء

بین تفکیر الجند وتجنید الفکر

دراسة فی ضوء القرآن والسّنّة والتّأریخ

وفنّ الحرب وعلم النفس العسکری

دراسةُ وتحلیلُ وتحقیقُ

السید نبیل الحسنی

إصدار

 وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

 فی قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1435ه_ - 2014م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

قال أبو مخنف الأزدی:

(المتوفی 158ه_) فی وصفه قتال أصحاب الإمام الحسین علیه وعلیهم السلام:

((وقاتلوهم حتی انتصف النهار أشد قتال خلقه الله)).

ص: 6

ص: 7

ص: 8

فحشد لها کل مقومات النصر من دراسة عقیدة العدو، ومشروعه الإعلامی، وعدته القتالیة، وغیرها من وسائل الحرب؛ فأعد لها عدتها وحاربها وانتصر علیها.

ولعل السؤال لم یزل قائماً: کیف له بهذه الأسرة التی تعد بحد ذاتها مانعاً قویا یحول دون الدخول فی المعرکة ویجبر القائد أو المحارب من الاقتتال والنزول عند شروط العدو؛ لکنها عند الإمام الحسین علیه السلام کما هی القلة فی العدد، وکثرة العدو، عوامل للنصر والوصول إلی تحقیق الهدف.

ولعل القارئ الکریم یزداد عجباً من هذه النتیجة التی توصلنا إلیها من خلال الدراسة؛ وذلک أننا وجدنا أن الإمام الحسین علیه السلام کان یسیر فی حیاته - کما هو حال کل معصوم - مرتبطاً بالقرآن الکریم الذی یقدم لنا نماذج عدیدة فی کیفیة بلوغ النصر وتحقیق الهدف فی خضم الظروف الصعبة التی تجعل العقل عاجزاً عن التفکیر بها، وإذا فکر بها کان أعجز من الوصول إلی قبول سیرها وعملها فکیف له بالیقین بنتائجها الایجابیة؟!

ومثال واحد علی ذلک: إن تقدم امرأة علی إلقاء طفلها الرضیع فی البحر بعد أن تضعه فی صندوق لتسوقه الملائکة إلی عدو الله فرعون لینشأ فی بیته ویکون سقوط ملکه وموته علی ید نبی الله موسی علیه السلام.

فهذه الحادثة لا یمکن إخضاعها للموازین المنطقیة والعقلیة دون إرجاعها إلی الله تعالی والتسلیم لأمره وحکمته ولطف تدبیره، ومن ثم الانشغال فی التفکیر بهذا الصنع الإلهی بغیة تعلّم کیفیة التعامل مع الأحداث فی الحیاة.

وفی دراستنا للإستراتیجیة الحربیة فی یوم عاشوراء نحاول فهم تلک

ص: 9

المعطیات والوسائل التی اعتمدها الإمام الحسین علیه السلام فی حربه ضد الظلم والفساد کی نصل إلی معرفة السبل التی تمکن الإنسان من الإصلاح للنفس أولاً وللأسرة ثانیاً وللمجتمع ثالثاً.

وإن بلوغ الهدف وتحقیق النصر أمر ممکن النوال مع (قلة العدد، وکثرة العدو، وخذلة الناصر) کما صنع سید الأحرار الإمام الحسین علیه أفضل الصلاة والسلام.

أما ما یتعلق فی الدراسة والبحث فقد حاولنا جاهدین أن نتعرف علی الوسائل العسکریة التی استخدمها الإمام الحسین علیه السلام فی قتاله لأعداء الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم عاشوراء.

إذ یقتضی أن یقوم الإمام الحسین علیه السلام بتهیئة کل الوسائل الممکنة عسکریاً لأجل إنجاح هدفه فی حربه علی الفساد وبلوغ النصر وهو الإصلاح فی أمة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

فکیف استطاع علیه السلام من إزالة هذه الموانع التی تراکمت کتراکم الصفوف وعسکرة المقاتلین علی أرض کربلاء وبلوغ المقتضی فی دخوله المعرکة والقتال لیبلغ الفتح الذی أخبر عنه حینما خرج (فدعا بقرطاس وکتب:

«بسم الله الرحمن الرحیم من الحسین بن علی إلی بنی هاشم، أما بعد فإنه من لحق بی منکم استشهد معی، ومن تخلف لم یبلغ الفتح»(1).

وعلیه:

ص: 10

لابد لنا من الرجوع إلی ما کتبه الخبراء والقادة العسکریون فی الوصول إلی فهم تلک التدابیر العسکریة من ناحیة؛ ومن ناحیة أخری الحصول علی دروس وحقائق ومناهج فی القتال وأنواع الاستراتیجیات المستخدمة سواء علی صعید الدفاع أو الهجوم فی المعرکة؛ أو فی أصل قیام الحرب وهی العقیدة التی کان یقاتل من أجلها طرفا المعرکة فی یوم عاشوراء.

ولذلک:

جاءت الدراسة فی مباحثها لبیان أن ساحة الطف فی کربلاء کانت مسرحاً تقابل علیه الجند والفکر، فسعی قادة الجند لعسکرة کل الوسائل وصرف جمیع الإمکانیات لقتل الفکر، وفی الجهة الأخری جاء قادة الفکر لتجنیده فی قتال الجهل والفساد والظلم وبلوغ الهدف فی إصلاح الإنسان؛ الذی بصلاحه یصلح کل شیء؛ ولا یصلح الإنسان إلا بصلاح الفکر.

فکانت هذه الدراسة لهذا الغرض، أی معرفة الوسائل التی تجند الفکر لغرض الإصلاح، وإن کانت منها الوسیلة العسکریة وحمل السیف والاشتباک مع العدو.

ولقد توصلت الدراسة إلی أن عاشوراء مدرسة فی کل عناوینها، ومنها العنوان العسکری والحربی، وسیجد القارئ الکریم أن عاشوراء شهدت أعقد الاستراتیجیات الدفاعیة والهجومیة التی أذهلت العدو وحیرت قادته العسکریین؛ فضلاً عن تجلی قطب رحی الحرب وهو العقیدة فی التوحید.

أما ما واجهنا من معوّقات، فهی:

ص: 11

1 - إن الرواة لم یسجلوا تفاصیل المعرکة کاملة، وإنما کانوا یعتمدون علی بعض المشاهد فی المعرکة مما أفقد الدراسة عنوانین مهمین فی المجال العسکری والاستراتیجی والدلیل علی ذلک:

استمرار القتال منذ الصباح من یوم العاشر وإلی العصر منه وهو أمر فی غایة الغرابة إذ یقتضی الحال وبحسب الموازین العسکریة أن لا تدوم المعرکة سوی ساعة أو ساعتین؛ وذلک لاختلاف میزان القوی العسکریة بشکل کبیر إلا أننا نجد النص التاریخی یتحدث عن عجز هذه الجیوش عن تحقیق نصر بالمعنی العسکری.

2 - إخفاء الرواة لطریقة قتال أصحاب الإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته فضلاً عنه صلوات الله علیه؛ بل: إن الرواة والمؤرخین قد تجاهلوا کثیراً فیما یتعلق بأصحاب الإمام الحسین علیه السلام فلم یأتوا حتی علی ذکر أسمائهم، فکیف بتفاصیل قتالهم علی الرغم من أن العرب تهتم بالمآثر فی ساحة القتال وتتفاخر فیما بینها بفرسانها، وهو أمر لا یحتاج إلی تدلیل.

مما یکشف عن أن هذا التعتیم والتضییع لهذه البطولات فی یوم الطف هی من الوسائل المستخدمة فی هذه الحرب کما هو شأن الإعلام فی الوقت الحالی وتفاوته فی نقل الحدث الذی لا یخدم مصالح الجهة الراعیة لهذه المؤسسة الإعلامیة أو تلک.

3 - اعتماد الباحثین فی العلوم العسکریة علی النظریات والخبرات التی کتبها القادة العسکریون وهم یعتمدون علی دراسة المعارک الیونانیة أو الأغریقیة؛ بل وجدنا أن بعض الکتاب المعاصرین یرجعون فی کتاباتهم إلی الخبرات

ص: 12

والحِکَمِ المستقاة منذ ما قبل المیلاد، لکنهم تجاهلوا الانجازات العسکریة الإسلامیة.

أما الکتابات فی هذا المجال أی الإستراتیجیة العسکریة للباحثین الإسلامیین فتکاد تکون نادرة - بحسب ما أسعفنا البحث - .

ولذا: کنا نتمنی أن نقدم للقراء الکرام رؤیة أکثر سعة مما وفقنا الله له وقادنا البحث إلیه.

4 - إن من الصعوبات الکبیرة التی واجهتنا فی الدراسة الوقوف بشکل دقیق علی سیر المعرکة ومن برز من الأصحاب قبل الآخر؛ فضلاً عن بعض النصوص التی ذکرتها المقاتل کالحملة الأولی التی استشهد فیها خمسون رجلاً من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام وهم فی أول المعرکة وهو ما لا صحة له، إذ لا یمکن من الناحیة الإستراتیجیة والدفاعیة أن یخسر الإمام الحسین علیه السلام هذا العدد فیأذن لهم بالقتال والمعرکة فی أول وقوعها؛ فکیف له أن یستمر بالقتال؛ فضلاً عن مخالفته لسیرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی الحرب - کما سیمر - ومخالفته للنصوص التاریخیة التی تنص علی قتال الفرسان البالغ عددهم اثنین وثلاثین وقیامهم بفنون قتالیة وإستراتیجیة أعجزت العدو عن المواجهة وکبدته خسائر فادحة أخلت بموازین القوی فکانت عنصراً مهما فمن تحقیق الانتصار فی الحرب وإن خسروا المعرکة علی أرض الطف.

ولذا: حاولنا الوقوف عند المجریات الصحیحة للمعرکة والرجوع إلی المصادر الأساس فی ذکرها.

ص: 13

5 - أما ما یخص قتال أهل البیت علیهم السلام ومجریاته من حیث تسلسلهم فی النزول للقتال وکیفیة استشهادهم صلوات الله علیهم فقد ارتأینا عدم ذکره مفصلاً کی لا یکون الکتاب من ضمن المقاتل واکتفینا بما یتناسب مع منهج البحث فی الدراسة وهو التوقف عند الإستراتیجیة العسکریة وبیان نظام القتال الذی اعتمده أهل البیت علیهم السلام، فجاء ذکرهم مختصراً.

6 - أما ما یختص قتال سید الشهداء علیه السلام وإستراتیجیته فی الهجوم فقد حاولنا بیانه بما یتناسب مع عنوان البحث؛ إلا أننی وجدت الأمر عسیراً فی تجنب ذکر ما جری علیه بأبی وأمی ونفسی؛ فبین التقیید بالمنهج البحثی وبین الألم والحسرة والتفجع فی قراءة سیرته فإنا لله وإنا إلیه راجعون.

ولا یخفی علی الباحث: أن الکتابة عن عاشوراء وإن أجهد الباحث نفسه فی قراءة مفرداتها ودراستها فإنه لن یستطیع الإحاطة بمکنوناتها ومعانیها، فعذراً لکل نقص لم یسعفنا الجهد أو التأمل أو البحث عن بیانه.

((وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ))(1). ((...وَمَا تَوْفِیقِی إِلاّ بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ))(2). ((...رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ))(3).

5 / ربیع الثانی / 1434ه_ - 16/2/2013م - کربلاء المقدسة

السید بن السید نبیل بن السید قدوری بن السید حسن بن السید علوان الحسنی الکربلائی

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ولم یکن هذا التعریف متفقاً علیه لدی الفلاسفة والحکماء والقادة العسکریین، فقد عرّف (کلوزفیتس الإستراتیجیة فی کتابه المشهور بأنها: (فن استخدام المعارک کوسیلة للوصول إلی هدف الحرب؛ أی إن الإستراتیجیة تضع مخطط الحرب، وتحدد التطور المتوقع لمختلف المعارک التی تتألف منها الحرب، کما تحدد الاشتباکات التی ستقع فی کل معرکة)(1).

ومن عیوب هذا التعریف أنه یدخل هذه الفکرة فی حقل السیاسة أو فی مستوی قیادة الحرب وهذه أمور تتعلق بمسؤولیة الدولة لا بحدود عمل القادة العسکریین الذین تستخدمهم السلطة الحاکمة لیقوموا بإدارة العملیات وتنفیذها.

والعیب الآخر فی هذا التعریف هو تحدیده لمعنی (الإستراتیجیة) فیما یتعلق باستخدام المعارک فقط: أی تکریس کل الاعتبارات والإمکانیات فی الحرب للبحث عن المعرکة التی تحقق الحل الحاسم بقوة السلاح.

ولقد قدم (مولتکه) تعریفا أوضح وأفضل للإستراتیجیة إذ قال: (إنها إجراء الملاءمة العملیة للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد إلی الهدف المطلوب).

ویحدد هذا التعریف مسؤولیة القائد العام أمام الدولة التی یخدمها، وتبقی هذه المسؤولیة ضمن حدود استخدام القوات المسلحة الموضوعة تحت تصرفه فی حقل العملیات المحدد لتحقیق مصالح السیاسة العلیا للحرب علی أفضل وجه، فإذا وجد الوسائل التی تحت یدیه غیر کافیة للمهمة المحددة له کان من حقه التنبیه لذلک، فإن لم یؤخذ رأیه بعین الاعتبار کان من حقه رفض القیادة أو الاستقالة دون

ص: 19

أن یفرض علی حکومته الوسائل التی یجب أن توضع تحت تصرفه؛ لأن فی ذلک خروجا علی حدود اختصاصاته ومن جهة أخری فإن الحکومة هی التی تضع سیاسة الحرب، وعلیها أن تؤمن توافقها واتساقها خلال الحرب تجاه الظروف التی تظهر مخالفة لما کان متوقعاً، ویمکنها أن تتدخل فی إستراتیجیة معرکة کبری لا باستبدال القائد العسکری الذی فقدت ثقتها به فحسب، بل بتعدیل الهدف المحدد لیتلاءم مع التشاور فیما بین رئیس السلطة الحاکمة والقیادة العسکریة(1).

وهذا فیما یختص بالدولة وقیادتها العسکریة حیث تستند الإستراتیجیة إلی التشاور فیما بین رئیس السلطة الحاکمة والقیادة العسکریة.

إلا أن (بزیادة تعقد المجتمعات الإنسانیة، تطورت صیغة استخدام الإستراتیجیة ففی المجال العسکری نفسه تطورت وتنوعت الإستراتیجیة إلی أنواع عدیدة مثل: إستراتیجیة الهجوم والدفاع، والهجوم المضاد أو ألفابیانیة(2) - التی تهدف بالأساس إلی عدم الاشتباک - ، والردع الحاسم والذری، وآخرها وهی لیست بالأخیرة إستراتیجیة حرب النجوم المتضمنة خط ماجینو الفضائی.

وللتأکد من أن الإستراتیجیة هی من بنات الحرب یمکن الاستدلال من خلال بعض التعاریف لکبار الاستراتیجیین.

ص: 20

ولقد رأی ستالین: أن الإستراتیجیة تستهدف کسب الحرب، وعرفت العسکریة الأمریکیة الإستراتیجیة العسکریة بأنها: (فن وعلم تطویر واستخدام القوات المسلحة لتحقیق أهداف السیاسة العسکریة سواء باستخدام القوة أو التهدید أو الاثنین معا).

تتجلی من التعاریف أعلاه، النظرة العسکریة البحتة لمفهوم الإستراتیجیة، علی أنها نظریة استخدام المعارک.

وعلی وفق ذلک، رفض الباحثون فی الإستراتیجیة أن یعدوا الاشتباک الوسیلة الوحیدة للوصول إلی هدف الحرب نظراً لتطویر أشکال القتال وعدم اقتصاره علی المعارک الحاسمة وضمن هذه النظرة عرف القائد الألمانی (فون مولتکه) (Von Molitke) الإستراتیجیة بأنها: (فن الاستخدام الواقعی للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد العسکری لتحقیق أهداف الحرب).

وقد اکتشف الباحثون فی هذا المجال أن أهداف الإستراتیجیة هی لیست الحرب ولأن الأخیرة هی غایة الدولة، وإنما تستخدم الدولة الحرب لتحقیق أهداف سیاساتها التی تؤثر علیها قیود مختلفة.

وعلی ذلک، یکون من غیر المنطقی إبقاء تعریف الإستراتیجیة ضمن الحدود الضیقة لنظریة الحرب وعدم إمکانیة تحقیق الأهداف السیاسیة إلا من خلال الوسائل العسکریة بدون استخدام الوسائل المختلفة للقوة، لذا لم تعد التعاریف السابقة شاملة للمتغیرات التی تتعامل معها الإستراتیجیة بمعناها الأوسع.

هکذا تطورت الإستراتیجیة العسکریة وتوسع مفهوم الإستراتیجیة لتتحول

ص: 21

إلی الإستراتیجیة العامة التی تشکل أعلی مستویات فن الحرب للدولة التی تعنی فن استخدام کل موارد الدولة (أو مجموعة من الدول) لتحقیق أهدافها السیاسیة العلیا فی الحرب والسلام.

وعلی وفق هذه الرؤیة عرف لیدل هارت (Liddle Hart) الإستراتیجیة بأنها: (فن توزیع واستخدام مختلف الوسائل العسکریة لتحقیق هدف السیاسة) (22/399).

وبذات التصور عرفها الجنرال أندریه بوفر (Bover) علی أنها: (فن استخدام القوة للوصول إلی الأهداف السیاسیة) وعدها دراسة العمل الحاضر وتنظیمه فی ضوء معطیات المستقبل، وهی العمل المعاصر الذی یستمر فی التنفیذ ضمن إطار رؤیة منظمة للتطور المقبل بمجموعه، وبفرض ترجیح بعض الإمکانات أکثر من غیرها، واختیار تلک الإمکانات المتوفرة وتأمین عملها للوصول إلی الهدف.

وعرف الإستراتیجیة العامة تعریفاً واسعاً یشمل کل میادین الدولة وذلک من قبل العسکریة الأمریکیة، والموسوعة السیاسیة، حیث عرفتها الموسوعة السیاسیة بأنها: (فن وعلم وضع المخططات العامة المدروسة بعنایة تامة لاستخدام دولة ما للموارد، أو أی شکل من أشکال القوة المتوفرة لدیها فی سبیل تحقیق أهداف محددة لها) (15/42).

أما العسکریة الأمریکیة فقد عرفتها بأنها: (فن وعلم تطویر واستخدام القوی السیاسیة والدبلوماسیة والاقتصادیة والنفسیة والعسکریة للدولة أثناء الحرب والسلم لتحقیق الأهداف والغایات السیاسیة الدولیة) (320/26).

ص: 22

ولشمول الإستراتیجیة الکبری لکل من التکنولوجیا والإعلام فقد طور تعریف الإستراتیجیة إلی أنها (فن وعلم تطویر واستخدام القوی المتاحة بما فیها القوی العسکریة أثناء الحرب والسلم لتحقیق الأهداف والغایات والسیاسات للدولة).

ولم تحصر رؤیة الآخرین للإستراتیجیة ضمن النظرة العسکریة فقط کما عرفها فون مولتکه (Von Molitke)، ففی الوقت الذی یحددون العمل العسکری الناجح بأنه (القدرة علی استخدام الأفراد والتشکیلات والأسلحة بصورة صحیحة وباتجاه هدف واحد هو تحقیق النصر) لیؤکدوا علی أن تنطلق الإستراتیجیة العسکریة من فهم الإستراتیجیة العامة وأن ترتبط وتتجه الاستراتیجیات الأخری بالإستراتیجیة العامة للدولة.

ومن هنا، جاءت نظرتهم للإستراتیجیة تحمل إدانة نقدیة للآراء التی تنظر للإستراتیجیة نظرة محددة من خلال بنائها علی مرتکزات التفکیر الاستراتیجی العام الذی لا یقتصر علی حالة الحرب بل یعنی بحالتی الحرب والسلام معاً، وفی الوقت ذاته یرعی الخیارات والصیغ التی یأخذ العمل الاستراتیجی شکله فیها حیث تکون الأرضیة الفکریة والسیاسیة وکل العوامل المرتبطة به والناجمة عنه اقتصادیاً واجتماعیاً ونفسیاً مصممة علی شکل معین.

یستلزم هذا التصمیم صیغة معینة من العلاقة مع الجماهیر وفی السیاسة الدولیة وفی بناء القوات المسلحة منسجمة مع أصل مرتکزات التصمیم الذی کان مشیداً علی أساس السعة والشمولیة.

ص: 23

إلاّ أنهم، فی الوقت نفسه لم یختلفوا عن الباحثین فی تصورهم حول وجود علاقة ما بین الوسائل العسکریة والأهداف السیاسیة للدولة، أی بمعنی آخر، وجود العلاقة بین الإستراتیجیة العسکریة والإستراتیجیة العامة، حیث یجدون أن الإستراتیجیة العسکریة یجب أن تنطلق من فهم الإستراتیجیة العامة وترتکز علی منطلقاتها المبدئیة والسیاسیة فی التصور وفی الحلول.

من هذه الرؤیة انطلقوا لیؤکدوا بأن الإستراتیجیة العسکریة ولدت فی رحم الإستراتیجیة العامة، وبذلک یذهبون فی التوکید علی اشتراک وتفاعل القوانین العسکریة والسیاسیة اشتراکاً عمیقاً، وخدمة القوانین العسکریة فی جوانب أساسیة القوانین السیاسیة وتحقیقها عن هذا الطریق، وهی علی طول الخط فی خدمة التفکیر السیاسی)(1).

ص: 24

تنظیم الجیش بأفضل الطرق، کل هذا یمکن العثور علیه فی کتیبات الحرب من أیام الصین القدیمة وصولاً إلی أوربا المعاصرة.

الهجوم المعاکس والمناورة الجابهیة، أو السریة، وفنون الخداع کانت شائعة لدی جیوش جنکیز خان، ونابلیون، وشاکا ملک الزولو، مجتمعة فإن هذه المبادئ والإستراتیجیات تشیر إلی نوع من الحکمة العسکریة الکونیة، مجموعة من المعاییر التی یمکن اقتباسها والتی یمکن أن تزید من فرص النصر.

ربما أعظم الاستراتیجیات علی الإطلاق تلک التی ابتکرها (صان تسو) مؤلف الکتاب الصینی الکلاسیکی: (فن الحرب) فی هذا الکتاب الذی ألف علی الأرجح فی القرن الرابع قبل المیلاد یمکن أن نجد آثاراً لکل المعاییر والمبادئ الإستراتیجیة التی طوّرت لاحقاً علی مدی قرون من الزمن، لکن ما یربط بینهما جمیعاً، فی الحقیقة ما یشکل فن الحرب نفسه بالنسبة إلی صان تسو، هو مثال ربح الحرب من دون حمام دم؛ وذلک:

باللعب علی نقاط الضعف النفسیة عند الخصم، وبالمناورات التی تضعه فی أوضاع مضطربة، وبالتسبب له بمشاعر الإحباط والإرباک، یستطیع الاستراتیجی أن یقود الخصم إلی الانهیار نفسیاً، قبل الاستسلام بصورة مادیة.

بهذه الطریقة یمکن تحقیق النصر بکلفة أقل بکثیر؛ والدولة التی یمکنها تحقیق الازدهار لأزمنة أطول بکثیر، وبالتأکید لیست جمیع الحروب تشن بطریقة عقلانیة جداً، لکن تلک الحملات العسکریة عبر التأریخ التی اتبعت هذا المبدأ (مثل سیبو أفریکانوس فی إلبانیا، ونابلیون فی الألم، وت.إ.لورنس فی الحملات

ص: 25

الصحراویة خلال الحرب العالمیة الأولی) تظل أبرز من غیرها وتخدم کمثال للإستراتیجیة.

إن الحرب لیست مجالاً منفصلاً عن بقیة المجتمع، إنها میدان بشری بامتیاز، یبرز فیه أفضل وأسوأ ما فی طبیعتنا، کما أن الحرب تعکس نزعات المجتمع واتجاهاته.

فالتطور نحو استراتجیات حرب غیر تقلیدیة وأکثر قذارة - حرب العصابات، الإرهاب - تعکس تطوراً مماثلا فی المجتمع، حیث یصیب کل شیء تقریباً.

الاستراتیجیات التی تنجح فی الحرب، سواء أکانت تقلیدیة أم غیر تقلیدیة، مبنیة علی سیکولوجیا خالدة؛ والإخفاقات العسکریة الکبری تعلمنا الکثیر حول الغباء البشری وحول حدود القوی فی أی من المیادین.

المثال الاستراتیجی فی الحرب کونه عظیماً عقلانیاً ومتوازنا عاطفیاً ساعیاً إلی تحقیق النصر بأقل قدر من إراقة الدماء ومن خسارة الموارد، لدیه تطبیقات لا متناهیة ودلالة علی معارکنا الیومیة.

کثیر من المسکونین بقیم زماننا سیجادلون بأن الحرب المنظمة بربریة بطریقة وراثیة، وأنها أثر لعنف الإنسان فی الماضی، وأمر ینبغی التخلص منه إلی الأبد.

وهکذا سیقول أولئک إن تعزز فنون الحرب فی مجتمع ما، یعنی أنک تقف فی وجه التقدم وتشجع علی الصراع والنزاع؛ ألیس هناک ما یکفی من هذا فی العالم؟ هذه الحجة مغویة جداً لکنها غیر منطقیة علی الإطلاق.

ص: 26

سیظل هناک فی العالم وفی المجتمع من هم أکثر عدوانیة منا، ممن یجدون طرقاً لنیل ما یریدونه، بأی وسیلة کانت، علینا أن نکون متیقظین وأن نعرف کیف ندافع عن أنفسنا ضد أنماط کهذه.

فالقیم المتحضرة لن تمضی قدما إذا ما أجبرنا علی الاستسلام لأولئک الذین یملکون الحزمة والقوة؛ والحقیقة، أن تکون مسالما فی وجه ذئاب کهذه هو مصدر مأساة لا تنتهی)(1).

ص: 27

وفهماً نیراً لا یمکنه حینما یمر بأرض الطف وهو لا یلمس تجسد حضارتین أذن الله تعالی لهما أن تلتقیا بکل ما حملتاه من قیم ومعطیات ومفاهیم علی هذه الأرض لتتقابلا علی أساس الانتصار الحاسم والانقیاد الذی یکبل السائر فیقوده إلی حیث أرادت هذه الحضارة أو تلک.

فالحضارة الأولی جمعت تحت سلطانها کل ما من شأنه أن یبعث الرعب والخوف والدمار والموت والأنس به والتلذذ بتشویه معالم الکائن البشری وهو جثة هامدة وهو ما نطقت به مرآة عاشوراء وسجلته صحیفة الطف فی کربلاء، فکانت هذه الحضارة قد حققت لنفسها - ومنذ أن کان هناک ألم ودم وإلی قیام الساعة وبدون منازع - الصدارة علی عرش الرعب فکانت بحق حضارة الموت.

لیقابلها فی الطرف الآخر من المواجهة حضارة الحیاة والطمأنینة والحریة والفکر لیکون بذلک، هویة هذا الکائن الذی سمی (إنسان) علی وجه الأرض.

ولذلک: لم تشهد عاشوراء فی واقعة الطف ومعرکة کربلاء إستراتیجیة واحدة وإنما مجموعة من الاستراتیجیات المختلفة؛ فعلی صعید الإستراتیجیة العسکریة لم یشهد التاریخ لها من مثیل فی سوی سجل الأنبیاء وحضارة القرآن والکتب السماویة.

إنها معرکة کان عدد الجیشین اللذین تقاتلا أغرب من الخیال فلکل واحد من رجال حضارة الفکر یقابله أکثر من 330 رجلاً من جیش حضارة الموت.

وأما فی العدة فقد اختلفت صنوف وتشکیلات حضارة الموت فجاءت بکل ما من شأنه أن یحقق الموت والدمار والألم؛ أما ما کان لجیش حضارة الحیاة

ص: 28

والفکر فقد تنوعت بین السلاح التقلیدی وبین السلاح النفسی والعقائدی.

فکانت المعادلة علی ضوء الإستراتیجیات العسکریة البحتة أن لا سبیل لجیش حضارة الحیاة والفکر إلا الاستسلام أو الموت فهذه القلة القلیلة مهما أوتیت من روح معنویة وعدة قتالیة وظروف طبیعیة لا یمکن لها أن تحسم المعرکة عسکریا فتهزم هذا الجیش الذی زاد عن الثلاثین ألفاً؛ أما علی ضوء إستراتیجیة تطبیق مفاهیم القرآن والحیاة فقد حققت النصر الحاسم؛ وعلیه:

فنحن أمام استراتیجیات عدة، منها ما کان عسکریاً بحتاً لکلا الجیشین وهو ما سنقف عنده بأدق التفاصیل لیلمس القارئ أعقد الاستراتیجیات العسکریة التی أعجزت جیش عمر بن سعد وأذهلته وکبدته خسائر عظیمة.

ومنها ما کان قیمیا وفکریا وحیاتیا لم یزل مستخدما لدی الجیشین علی مختلف بقاع الأرض وإن اختلفت اللغات والأدوات والصور والأماکن.

فمازال الإنسان شاء أم لم یشأ متأثرا بنسبة ما بأحد هاتین الحضارتین التی شاء الله تعالی أن یتلاقیا علی ساحة الطف فی أرض کربلاء.

إنها حقیقة لا یمکن للإنسان العاقل تجاهلها أو تبرئة نفسه منها أو أنه یدعی الحیادیة أو المسالمة فکلها إدعاءات یحاول الإنسان من خلالها أن لا یواجه حقیقة نفسه کی لا یذعر من نفسه عند اکتشاف حقیقته؛ وفی ذلک یقول الفیلسوف الألمانی فریدریک نیتشه (1844 - 1900)(1):

ص: 29

(لدی نزوع فطری للحرب، الهجوم غریزی عندی، المقدرة علی أن أکون عدواً، أن أکون عدداً - تفترض مسبقاً طبیعة قویة؛ أنها فی أی حال من الأحوال شرط لکل طبیعة قویة، یتطلب ذلک مقاومة کنتیجة حتمیة، یتطلب المقاومة.

إن قوة من یهاجم تکتسب معاییرها من المقاومة التی یحتاج إلیها، کل تطور یعبّر عن نفسه فی سعیه إلی خصم قوی، إلی مشکلة؛ فالفیلسوف ذو النزعة الحربیة یتحدی کذلک المشکلات ویدعوها إلی المنازلة.

إن مهمته هی فی السیادة، لیس علی المقاومات التی تبرز نفسها، لکن تلک التی فی مواجهتها یحتاج المرء إلی کامل قوته ومهارته وبراعته فی استعمال الأسلحة - للسیطرة علی خصوم مساوین فی القوة)(1).

ولا شک قد شهدت کربلاء فی یوم عاشوراء خصوما متساوین فی القوة، قوة الموت وقوة الحیاة، قوة الجهل وقوة الفکر، وهی حقیقة بینها قائد جیش الفکر والحیاة فی کربلاء الإمام أبو عبد الله الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، قبل أن یتقابل مع خصمه فی یوم عاشوراء. وذلک حینما سئل عن قوله تعالی:

((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ فَالَّذِینَ کَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِیَابٌ مِنْ نَارٍ یُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِیمُ))(2).

فقال علیه السلام:

«نحن وبنو أمیة اختصمنا فی الله عزّ وجل، قلنا صدق الله، وقالوا: کذب

ص: 30

الله، فنحن وإیاهم الخصمان یوم القیامة»(1).

ولا شک أن هذین الخصمین لابد لهما من الوقوف أمام حاکم عادل لیحکم بینهما فیما اختصموا فیه ولذا قال علیه السلام:

«یوم القیامة».

وإلا فواقع الحال إنهما تلاقیا مرات عدیدة وسیتلاقیان عند ظهور حجة الله المهدی المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف، وسیکون اللقاء فریداً ومریراً حیث سیجتث علیه الصلاة والسلام حضارة الموت والدمار والجهل ویستبدلها بحضارة الحیاة والفکر والعدل.

إلاّ أن عاشوراء تبقی فریدة بکل جزئیاتها ودقائقها، ونحن نحاول فی هذه الدراسة الوقوف عند تلک الإستراتیجیة الحربیة التی واجه فیها الإمام الحسین علیه السلام بهذه القلة القلیلة من أهل بیته وأصحابه الآلاف المؤلفة من أعدائه حتی عجزوا عن تحقیق نصر سریع وحاسم وبأقل الخسائر کما کانت قیادة العدو ورأس السلطة فی الکوفة والشام یتوقعون ذلک.

فضلاً عن أن الإستراتیجیة العلیا التی کانت لدی المعسکرین مختلفة جذریاً - کما قلنا - ، فبین إستراتیجیة الحسم العسکری بتدمیر الخصم أو استعباده وإذلاله وبین إستراتیجیة انتصار الحریة علی العبودیة، وانتصار الحیاة علی الموت، وانتصار الفکر علی الجهل، هوت ودیان واسعة ومساحة شاسعة تجدها بینة واضحة وشاخصة أمامک أینما حلت أبجدیات عاشوراء فی کل بقعة أو زمان.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

لفهم إستراتیجیة الهدف العسکری والهدف المعنوی عند الإمام الحسین علیه السلام یلزم قراءة هذین الهدفین عند خصمه فبالتضاد تعرف الصفات.

ولذلک:

فإن أقرب صورة حدیثة لقراءة الهدف العسکری عند القیادة العلیا لمعسکر أعداء الإمام الحسین علیه السلام ممثلاً برأس السلطة یزید بن معاویة ووالیه علی الکوفة عبید الله بن زیاد(1) هی نظریة القائد العسکری کلاوزفیتس عن الهدف العسکری؛ یقول کلاوزفیتس: إن هدف العمل الحربی هو نزع سلاح العدو، وسنثبت أن ذلک ضروری علی الأقل من الناحیة النظریة؛ وإذا کانت غایتنا هی دفع العدو إلی السیر وفق إرادتنا، فإن علینا أن نضعه فی موقف یزید تأثیره عن التضحیات التی نطلبها منه؛ ولا یجب أن تکون مساوئ موقفه مرحلیة، علی الأقل فی مظهرها، وإلا قاوم العدو بدل الخضوع آملا أن یتطور الموقف لصالحه ویجب أن تؤدی تبدیلاته التی ترمی إلی متابعة الحرب إلی موقف أسوأ).

ص: 34

ویقول: (إن أسوأ وضع یقع فیه المقاتل هو عندما یجد نفسه مجرداً من سلاحه؛ فإذا أردنا إجبار العدو علی الاستسلام وجب علینا تجریده من سلاحه أو وضعه فی موقف یهدده باحتمال تجریده منه وهکذا فیجب أن یکون سلاح العدو أو هزیمته هو هدف فن الحرب).

ویقول أیضاً:

(یجب أن یکون حجم قواتنا العسکریة کبیراً ما دام هدفنا المنشود هو تدمیر قوة العدو؛ وعلینا أن نعرف أن کل جهد نبذله لتدمیر العدو ینعکس علینا ویؤدی إلی أسوأ النتائج فی حالة الفشل).

ویقول أخیراً عن الهدف العسکری:

(لیس لدینا سوی وسیلة واحدة للحرب هی المعرکة، وإن الحل الدموی للأزمة بعد الجهد المبذول لتدمیر جیوش العدو هو ابن الحرب البکر)(1).

إن هذه الأسس فی نظریة الهدف العسکری تکاد تکون موحدة عند معظم القادة العسکرین الذین یطمحون للحسم العسکری فی حروبهم مستفیدین من المعرکة بکونها الوسیلة التی تحقق الهدف العسکری.

وهو ما نطقت به صنوف جیش عمر بن سعد فی کربلاء فقد کانت الکثرة العددیة وصفوف الجیش وتنوع العدة القتالیة والإصرار علی قتل جمیع أفراد الخصم وإن کانوا قلة قلیلة هو الهدف الأوحد لدی خصوم الإمام الحسین علیه السلام فی کربلاء.

ص: 35

وفی المقابل لم یکن الإمام الحسین علیه السلام فی غفلة عن هذه التوجهات والطموحات فی تحقیق الهدف العسکری الذی یسعی إلیه عدوه، ولذا: عزم علی وضع إستراتیجیة معقدة علی المستوی العسکری فی ذراعی المعرکة، أی الهجوم والدفاع، وتکبید العدو خسائر عظیمة فضلاً عن تأسیسه لمنظومة إستراتیجیة (هجومیة دفاعیة) لکل من أراد أن ینهل من علوم مدرسة کربلاء ویوم عاشوراء - کما سیمر بیانه - .

وعلیه:

کان الهدف العسکری عند الإمام الحسین علیه السلام إظهار عجز العدو ذی الامتیازات العسکریة فی کثرة العدد وصنوف الجیش وتشکیلاته حینما سیواجهه علیه السلام مع مجموعة من الرجال تفوق هذه الجیوش روحاً معنویة وعقیدة قتالیة منطلقا فی هذه الإستراتیجیة من القرآن الکریم الذی أسس للهدف المعنوی قبل الهدف العسکری، بل جعل القرآن الهدف العسکری نافذة علی تحقیق الهدف المعنوی فقال سبحانه وتعالی:

1 - ((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتَالِ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَإِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِئَةٌ یَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ))(1).

2 - وقوله تعالی:

ص: 36

((مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلَی بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا وَلَقَدْ جَاءَ تْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَیِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِکَ فِی الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))(1).

ولعل الرجوع إلی القرآن والکتب السماویة وحیاة الأنبیاء التی قادت بعض المواجهات بین أتباعها وأعدائها یقدم لنا صورة واضحة عن الهدف المعنوی الذی کان غایة الأنبیاء والرسالات.

من هنا:

کان التباین واضحاً فی مدرسة عاشوراء بین الهدف العسکری والهدف المعنوی الذی سعی لأجل إثباته الإمام الحسین علیه السلام، وذلک من خلال مجموعة من الأسس والخطوات النظریة والعملیة، منذ تحرکه من مکة متوجهاً إلی کربلاء فکتب رسالة إلی أخیه محمد بن علی بن أبی طالب علیه السلام وبنی هاشم خاصة دون غیرهم من المسلمین مستناً بذلک بما أمر الله تعالی به رسوله الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم عند بدء الدعوة إلی الإسلام فقال سبحانه مخاطباً نبیه الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

((وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الأَقْرَبِینَ))(2).

ص: 37

ولذا: کان خطاب الإمام الحسین علیه السلام عند خروجه من مکة إلی کربلاء مخصصاً إلی بنی هاشم خاصة لأنهم هم المعنیون بالدرجة الأولی فی الإنذار والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فکان الکتاب یحمل الهدف المعنوی قبل الهدف العسکری وهو المنهج الذی اعتمده سید الشهداء صلوات الله وسلامه علیه فی مسیره إلی العراق.

فعن زرارة، عن أبی جعفر علیه السلام قال:

«کتب الحسین بن علی من مکة إلی محمد بن علی:

بسم الله الرحمن الرحیم، من الحسین بن علی إلی محمد بن علی ومن قبله من بنی هاشم، أما بعد: فإن من لحق بی استشهد، ومن لم یلحق بی لم یدرک الفتح والسلام»(1).

ولا شک أن الذین لحقوا به علیه الصلاة والسلام قد استشهدوا جمیعاً وهم الوحیدون الذین أدرکوا الفتح فبهم تم التأسیس لعقیدة ما تسلح بها أحد من الناس إلاّ وقد فتح علیه النصر فبهذه العقیدة أزیلت طواغیت وقامت دول فضلاً عن کونها ملهماً للأحرار فی العالم حینما یقرأون عاشوراء.

وهو ما سنحاول الوقوف عنده ودراسته من خلال هذه الدراسة علنا نستطیع أن نوصل رؤیة واضحة للمهتمین بالإستراتیجیة البنائیة للنفس الإنسانیة؛ فضلاً عن الإستراتیجیة العسکریة أو فلنقل بالمعنی الأعم الإستراتیجیة الحربیة فما زال الإنسان فی صراع مع ذاته وهو بحاجة إلی وضع مجموعة من الإستراتیجیات

ص: 38

للوصول إلی الهدف المنشود وهو الانتصار علی الذات وهو ما زخرت به عاشوراء منذ أن خرج الإمام الحسین علیه السلام من المدینة إلی اللحظات الأخیرة له علی أرض کربلاء، من شعارات فی نطاق الحکمة النظریة والحکمة العملیة.

کقوله:

1. «إنما خرجت لطلب الإصلاح فی أمة جدی أرید أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنکر وأسیر بسیرة جدی وأبی علی بن أبی طالب».

2. «ما الإمام إلا العامل بالکتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه علی ذات الله».

3. «لا محیص عن یوم خط بالقلم».

4. «إلا من کان فینا باذلاً مهجته موطناً علی لقاء الله نفسه فلیرحل معنا».

5. «إن حال القضاء دون الرجاء فلم یعتد من کان الحق نیته والتقوی سریرته».

6. «أما والله إنی لأرجو أن یکون خیراً ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا».

7. «الناس عبید الدنیا، والدین لعق علی ألسنتهم، یحوطونه ما درت معایشهم، فإذا محصوا بالبلاء، قلّ الدیانون».

8. «فإنی لا أری الموت إلا سعادة والحیاة مع الظالمین إلا برما».

9. «لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق».

10. «لا والله لا أعطیهم بیدی إعطاء الذلیل، ولا أفر فرار العبید».

11. «هیهات منا الذلة، یأبی الله لنا ذلک ورسوله والمؤمنون وحجور طابت

ص: 39

وطهرت وأنوف حمیة ونفوس أبیة فی أن نؤثر طاعة اللئام علی مصارع الکرام».

12. الموت أولی من رکوب العار

والعار أولی من دخول النار

13. «کونوا أحراراً فی دنیاکم».

14. «أرجعوا إلی أحسابکم إن کنتم عربا».

وهذه الأسس فی الإستراتیجیة البنائیة للنفس الإنسانیة وغیرها مما نطقت به الألسن والأیدی فی کربلاء لکثیرة جداً وکلها جدیرة بالتأمل والدراسة والبحث إلا أننا سنحاول الوقوف عند کثیر منها علنا نوفق فی الوصول إلی حضارة الحیاة وتجنید الفکر قبل تفکیر الجند فی الحسم العسکری.

ص: 40

عاشوراء وما بعده من الأیام کمطر السماء دماً(1)، وتحول تربة کربلاء عند أم سلمة إلی دم عبیط(2)، وما رفع حجر إلا وجد تحته دم عبیط(3)، وسیلان الدم علی حیطان بیوت الکوفة(4)، فضلاً عن تکلم الرأس الشریف لسید الشهداء علیه السلام وتلاوته للقرآن وهو علی الرمح(5).

فهذه الآیات والکرامات التی رافقت مأساة کربلاء خیر دلیل یأخذ بعنق الإنسان للاعتقاد بأن عاشوراء مرتبطة بالسماء.

وعلیه:

فقیادتها، وقائدها، وجندها، ونساؤها، وأطفالها، صور ترشد الناظر إلی حضارة القرآن والنبوة فکانوا أنموذجاً فریداً فی تاریخ الرسالات لاسیما الرسالة المحمدیة.

بمعنی آخر:

أن القائد والقیادة فی عاشوراء کانت نسخة للنبی صلی الله علیه وآله وسلم

ص: 41

فی معارکه، کما کانت نسخة من أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام، وهو ما سنحاول أن نضعه بین یدی القارئ الکریم مستعینین بما توصل إلیه الباحثون فی المجال النفسی والعسکری لغرض الخروج بصورة نقیة تحقق للقارئ رؤیة فکریة جدیدة حول الإستراتیجیة الحیاتیة فی عاشوراء سواء بجانبها العسکری أو المعنوی وکما عنونا لذلک فی المسألة.

ص: 42

السلام فی حروبه الثلاثة.

ولذا: سنعرض أولاً ما توصلت إلیه الدراسات الحدیثة فی بیان معنی القیادة ومفهومها ثم نعرج إلی بیان أمیر المؤمنین علیه السلام للقیادة وسمات القائد.

فقد ذهبت إحدی الدراسات إلی أن أساس المفهوم العام فی تعریف القیادة یعتمد علی فهم اصطلاح القیادة وتختلف التعاریف المحددة تبعاً للکاتب؛ وعلی أیة حال، فإن القیادة، أساساً، هی: فن التأثیر فی الأفراد.

وهذا التعریف برغم قصره یدل علی عملیة أو نشاط، یتمیز بفاعلیة مستمرة، ویزود بالحافز، ویستلزم وجود القائد والأعضاء الآخرین فی الجماعة؛ وهو یحدد القیادة بوصفها عملاً بدلاً من کونها مجموعة جامدة من المیزات الملازمة للفرد.

وعلی أیة حال فإن هذا التعریف القصیر، فی نطاق التطبیق العسکری، ذو قیمة محدودة یسبب عدم فائدته، وهو غیر شامل لدرجة کافیة؛ فالقائد العسکری یؤثر فی مرؤوسیه لأسباب معینة ویحث الأفراد للقیام بمهمة من مهام الوحدة، أو هدف من أهدافها، ضمن بیئة معینة ومن ثم فهناک تعریف أکثر ملاءمة للجندی وینص علی ما یلی:

(القیادة هی فن التأثیر فی السلوک الإنسانی بغیة تحقیق مهمة بالأسلوب الذی یرغب فیه القائد)(1).

ولا شک أن هذا التعریف لو عرض علی عاشوراء لوجد أصحاب هذه الدراسة أن القیادة التی ظهرت للإمام الحسین علیه السلام وحجم تأثیرها فی

ص: 43

السلوک الإنسانی لیس لها نظیر لا فی تاریخ الرسالات السماویة أو الأرضیة علی اختلافها.

ولعل النظر إلی الشعائر الحسینیة لدی الشیعة تقطع الجدال حول تفرد هذه القیادة وحجم تأثیرها فی السلوک الإنسانی وسیجد المفکرون والفلاسفة والقادة والمصلحون حجم ما حققته هذه القیادة فی تأثیرها علی الجماعة فی یوم عاشوراء وتفانیهم بین یدیه وفی غیر یوم عاشوراء وانبثق عنها وعن فکرها من ثورات وانتفاضات أطاحت بالعدید من الدکتاتوریات والطواغیت علی مر التاریخ حتی بات شعار (لبیک یا حسین) شعاراً انتفاضیاً علی الذات والظلم وملهماً لنشر الإصلاح.

من هنا:

کان لمفهوم القیادة دلالات أخری، وذلک لتداخلها وترادفها مع الإدارة والإمرة لاسیما ونحن نحاول أن نقدم صورة فکریة لما امتازت به کربلاء فی یوم عاشوراء من احتوائها لإستراتیجیات عدیدة لغرض بناء النفس الإنسانیة، وإن کان هناک دماء زکیة وطاهرة قد سقطت علی هذه الأرض لأجل إرواء المبادئ التی جاءت بها هذه الملحمة الإنسانیة.

ولذا:

(فإن أی تعریف لکلمة القیادة یثیر مسائل تتعلق بعلم دلالات الألفاظ وتطورها، نظراً لأن الاصطلاحات (الإمرة)، (الإدارة)، (القیادة)، تتداخل علی نطاق واسع فی الاستعمال العسکری والمدنی، وبالنسبة للکثیر من الأفراد

ص: 44

العسکریین یُعدّ الاصطلاحان (إدارة)، (قیادة) مترادفین وکذلک فالعاملون فی الصناعة یفرقون قلیلا وبصورة متکررة بین الاصطلاحین (إدارة)، و(قیادة)، وبالنسبة للکثیر من الناس داخل القوات المسلحة وخارجها، فإن کلمة تعدّ تکرارا، المعادل العسکری لما یسمیه المدنیون «إدارة»).

فی القوات المسلحة، تحدد المهمة عادة من جانب السلطة العلیا، وحین یؤثر القائد فی الأفراد ویوجههم، فهو یلهم عن طریق الحصول علی رغبة رجاله فی العمل، وطاعتهم، وثقتهم، واحترامهم، وإخلاصهم، وتعاونهم؛ ومن جهة أخری فإن کلمة (الإدارة) تعدّ علم استخدام الأفراد والأدوات فی الإنجاز الاقتصادی الفعال للمهمة، وهی أحد العناصر المکونة للقیادة، ولکنها بصورة متکررة تعطی دلالة أقل حیویة وتمیزا بالفاعلیة المستمدة من کلمة (القیادة).

فالقائد ینبغی له أن یدیر ویلهم، ویتردد البعض فی قبول هذا التعریف مصرین علی القول بأن الإدارة هی فن یشمل إلهام الأفراد ویستخدم رجال الصناعة هذا التفسیر الثانی علی نطاق واسع؛ ومهما یکن فمن الضروری أن یکون لدینا إطار عام یتخذ مرجعاً لأغراض البحث، ولأسباب أکادیمیة تفسر الإدارة بکونها علماً إلی حد بعید، أی تطبیقا نظامیا للتقنیات، و(القیادة) فی القوات المسلحة هی أوسع مجالاً من التقنیات النظامیة.

بینما یتعین علی القائد الناجح أن یکون مدیراً ماهراً، فإن القیادة تشمل أکثر بکثیر من تقنیات الإدارة، والقیادة هی السلطة القانونیة التی یمارسها القائد علی

ص: 45

مرؤوسیه، بفضل رتبته وتعیینه.

ولذلک، فإن القائد هو الرئیس الرسمی المعین للوحدة، وهذه الرئاسة تشمل عادة متطلب ممارسة القیادة لکن طبیعتها تعتمد علی قدرة القائد کفرد أو سلوکه أو مهمته)(1).

والمستفاد مما تقدم اشتراک مفهوم القیادة بالقائد وبتجانسهما فی المعنی والدلالة لاسیما فی المجال العسکری والحربی، وهو ما یتطابق کذاک بین المفهوم الذی جاء به القرآن والسنة واتحادهما فی إلصاق صفة القائد فی المواضع التی تتصف بالحرب والقتال والجند علی الرغم من وجود بعض المواضع التی تشیر فیها (القیادة)، و(القائد) إلی معنی الإمام و(الداعی) إلا أن المرتکز فی الفکر الإسلامی فی معنی (الإمام) هو المتصف بالشریعة سواء ما کان منها شریعة سماویة أو شریعة إنسانیة وهو ما انطوی تحت معنی (إمام هدی) و(إمام ضلال).

کما نص علیه قوله تعالی بصفة الإطلاق المخصوص بالاعتقادات الفکریة لدی الناس جمیعاً فقال سبحانه:

((یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولَئِکَ یَقْرَءُونَ کِتَابَهُمْ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً))(2).

من هنا:

ص: 46

حینما نأتی إلی المرتکزات الفکریة التی أسسها أمیر المؤمنین الإمام علی ابن أبی طالب علیه السلام فی معنی القیادة نجدها لا تنفک عن معنی القائد فهما ذو دلالة واحدة ومغزی واحد وإنهما متحدان فی ظهورهما الخارجی، أی فی المجال التصدیقی فی کونهما یستخدمان فی الصنف العسکری بصورة خاصة.

أما فی المجال العقدی فیبقی الإمام یقابل القائد، والإمامة تقابل القیادة؛ بمعنی: (القیادة) و(القائد) فی عاشوراء قد جمع صفتین فی آن واحد وهما (الإمام) و(القائد)، أی: ترتب الفکر العقدی، والفکر العسکری لدی أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء، فقد تعلق بذمتهم الطاعة لسید الشهداء بصفته (الإمام) وانعقد فی نفوسهم الانقیاد له علیه السلام بصفته (القائد) العسکری الذی یلزم طاعته واتباعه وعدم مخالفة أوامره، مما أعطی لهؤلاء الأصحاب علیهم السلام زخماً معنویاً فریداً لا یتماثل نظیره، إلا فی تاریخ الرسالات وحیاة الأنبیاء علیهم السلام؛ ولاسیما ما کان فی حیاة سید المرسلین صلی الله علیه وآله وسلم فی أثناء جهاده وقتاله أو ما کان فی حیاة أبیه الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام، وهو ما سنتناوله فی (ثانیاً).

ص: 47

قال صلوات الله علیه فی عهده إلی مالک بن الأشتر لما ولاه علی مصر:

«فولَّ من جنودک أنصحهم فی نفسک لله ولرسوله ولإمامک، وأنقاهم جیباً، وأفضلهم حلماً، ممن یبطئ عن الغضب، ویستریح إلی العذر، ویرأف بالضعفاء، وینبو علی الأقویاء، وممن لا یثیره العنف، ولا یقعد به الضعف؛ ثم الصق بذوی الأحساب، وأهل البیوتات الصالحة، والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة، والسخاء، والسماحة، فإنهم جماع من الکرم، وشعب من المعروف»(1).

وقال علیه الصلاة والسلام:

«ولیکن آثر رؤوس جندک عندک من واساهم فی معونته، وأفضل علیهم من جدته بما یسعهم ویسع من وراءهم من خلوف أهلیهم، حتی یکون همهم هما واحداً فی جهاد العدو؛ فإن عطفک علیهم، یعطف قلوبهم علیک، وإن أفضل قرة عین الولاة استقامة العدل فی البلاد؛ وظهور مودة الرعیة»(2).

وقال علیه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب حینما استشاره فی الخروج لحرب الروم، وهل یخرج إلیهم بنفسه وذلک حین خرج قیصر الروم فی جماهیر أهلها إلی المسلمین وانزوی خالد بن الولید فلازم بیته وصعب الأمر علی أبی عبیدة بن الجراح، وشرحبیل بن حسنة وغیرهما من أمراء سرایا الإسلام، فقال علیه السلام لعمر بن الخطاب:

«وقد توکّل الله لأهل هذا الدین بإعزاز الحوزة وستر العورة والذی نصرهم،

ص: 48

وهم قلیل لا ینتصرون ومنعهم وهم قلیل لا یمتنعون، حی لا یموت إنک متی تسِرْ إلی هذا العدو بنفسک فتلقهم فتنکب لا تکن للمسلمین کأنفة دون أقصی بلادهم لیس بعدک مرجع یرجعون إلیه فابعث إلیهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصیحة فإن أظهر الله فذاک ما تحب وإن تکن الأخری کنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمین»(1).

وهذه النصوص الثلاثة تظهر مجموعة من السمات التی حددها أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام والتی ینبغی توافرها فی القائد کی یضمن الوالی أو الخلیفة أو الحاکم للبلاد نجاح قیادته وتحقق أهداف نصره وتحقیق الأمن والأمان لرعیته، فکانت کالآتی:

1 - لابد أن یکون اختیار القائد من أهم واجبات رأس الهرم فی السلطة وذلک أن جمیع النتائج التی ستتمخض عن هذه القیادة ستکون فی ربقة رأس الهرم فی السلطة، ولذا قال علیه السلام:

«فولّ من جنودک أنصحهم فی نفسک لله ولرسوله ولإمامک».

وهذا هو الذی جعله علیه السلام یولی مالک الأشتر قائداً ووالیاً علی مصر فکانت جمیع هذه الصفات التی ورد ذکرها فی عهده علیه السلام إلی مالک متجسدة فیه.

أی: تکون السمة الأولی فی القائد «النصیحة»، بل أنصح القادة أو الجند لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم ولإمامه، بمعنی: یلزم توفر عنصر الإیمان بالله

ص: 49

والیوم الآخر لما یترتب علی هذه القیادة من المسؤولیة العظیمة فأرواح الجند بیده فضلاً عن أرواح خصمه وما یلحق به من الغنائم والأسر والتعامل مع الجرحی والنساء وغیر ذلک.

2 - «أنقاهم جیباً».

لما یتعلق من أموال فی ذمته سواء ما کان من نفقات الجند واحتیاجات الحرب، أو الغنائم علی صعید الأموال والأنفس.

3 - «وأفضلهم حلماً».

إذ قد یکون غضبه سبباً فی إزهاق کثیر من الأرواح فضلاً عن جر الهزیمة للجیش أو البطش بالخصم.

4 - «ممن یبطئ الغضب».

5 - «ویستریح إلی العذر».

6 - «ویرأف بالضعفاء».

7 - «وینبو علی الأقویاء»، أی «یشتد علیهم ویمنعهم عن ظلم الضعفاء».

8 - «وممن لا یثیره العنف».

9 - «لا یقعد به الضعف».

10 - «أن یکون من ذوی الأحساب»، أی: من الأسر التی توارثت المکارم.

11 - «أن یکون من أهل البیوتات الصالحة والسوابق الحسنة»، أی: المعروفة بالصلاح والإیمان.

ص: 50

12 - «أن یکون شجاعاً».

13 - «أن یکون سخیاً».

14 - «أن یکون سمحاً»، وذلک أن هذه الصفات الأخلاقیة الثلاثة وهی (الشجاعة، والسخاء، والسماحة) جماع من الکرم وشعب من المعروف.

15 - «أن یکون محاربا»، أی: عارفاً بفنون الحرب، مجرباً لها، متمرساً فیها.

وهذه السمات الخمس عشرة حصرها أمیر المؤمنین علیه السلام فی القائد للجند والمنوط إلیه قیادة الجیش، وألویته، وکتائبه وسرایاه؛ وهی فی نفس الوقت موجهة إلی رأس الهرم فی السلطة سواء کانت ضمن المصطلحات الإسلامیة کالوالی والخلیفة أو سواء کانت ضمن المصطلحات المعاصرة فی الدولة والحکومة والجمهوریة، فضلاً عن المصطلحات القدیمة (المعاصرة) کالمملکة والإمارة والسلطة.

أما ما یخص رأس الهرم فی القیادة للبلد والرعیة فکانت توصیاته تعم جمیع صنوف الجیش وقیاداته وأفراده وشد روابط النسیج الاجتماعی والرعویّ فیما بین الحاکم والرعیة الذین أنیطت بهم مهمة الدفاع والقتال والجهاد والأمن، فقال علیه السلام موضحاً هذه المرتکزات؛ بما یلی:

1 - أن یکون الحاکم أو الوالی ناظراً إلی الجند، وقیاداتهم مرتکزاً فی نظره إلیهم علی مجموعة من السمات التی ینبغی توافرها لدی الحاکم أو الوالی، فقال علیه الصلاة والسلام:

أ: «من واساهم فی معونته»، أی: من واسی الجند فی معونته لهم.

ص: 51

ب: «وأفضل علیهم من جدته بما یسعهم، ویسع من وراءهم من خلوف أهلیهم».

والحکمة فی هذه السمات تحقّق الثمرة الآتیة، وهی: أن یکون هم الجند وقیاداتهم هما واحداً، ألا وهو جهاد العدو، وهذا أولاً.

والثمرة الثانیة: إن عطف الوالی أو الحاکم علی الجیش یحقق عطف قلوبهم علی الوالی أو الحاکم.

وهذه السمات التی مرّ ذکرها سواء ما اختص منها فی القائد المنوط إلیه قیادة الجیش أو التی کانت مختصة فی الوالی أو الحاکم نراها متجسدة فی رموز عاشوراء ابتداءً من القائد الأعلی وهو الإمام الحسین علیه السلام أو قادة الجناحین من المیمنة والمیسرة أو القلب أو الأفراد کما سیمر بیانه.

فضلاً عن ذلک فإن الدراسات المعاصرة سواء ما کان منها مختصاً بالجانب المیدانی والعسکری ودراسته، أو خاصاً بعلم النفس العسکری فقد أوردت بعض هذه السمات فی دراستها؛ ولو أنّ الدارسین المعاصرین قد اطّلعوا علی الفکر الإمامی بشکل خاص والفکر الإسلامی بشکل عام لوجدوا الکثیر مما فاتهم فی وضع الأسس لإنشاء قیادة متمیزة وفعالة وناجحة، ولأثراهم هذا السِفْر الخالد عن الکثیر مما اعتمدوا علیه من تراث کلاوزفیتز وکتابه (عن الحرب) أو رجوعهم إلی تراث سان تزو، الذی کتب فی القرن الخامس قبل المیلاد وغیر ذلک مما ظهر من بعض القادة العسکریین ک_(هانیبال) قائد قرطاجة، وکیف غزا إیطالیا (218 ق.م) عبر قمم الألب.

ص: 52

أو ما قام به الإسکندر المقدونی فی حروبه، أو ما جری بین الفرس والبیزنطنیین وانتصار بیلیزیر، وغیر ذلک من الحروب التی جرت فی القرون الوسطی أو المعاصرة فهذه القیادات وما قدمته من ملاحظات لم تتعدَّ کونها أقنیة من تراث کلاوزفیس بالدرجة الأولی مما أعطی ظلامة للفکر الإسلامی وما قدم من فنون فی العلوم العسکریة فی شرق الأرض وغربها؛ فضلاً عن المعرکة الأنموذج فی قیادتها وأفرادها وقتالها وإستراتیجیتها ومأساتها، ألا وهی واقعة الطف کما سیمر من خلال الدراسة.

ولکن لابد من إثراء فکر القارئ بما توصلت إلیه الدراسات المعاصرة من أسس القیادة لیری بصدق ویقین أن الفکر الإسلامی (الإمامی) غنیّ بهذه العلوم، التی تشکل إستراتیجیة بناء النفس والحیاة علی الأرض، بما فیها الجانب الحربی (العسکری)، الذی یعد أحد الوسائل الضروریة للعملیة البنائیة للحیاة.

من هنا:

فقد کانت أسس دراسة القیادة من الناحیة التاریخیة علی مجموعة من المحاولات لغرض (إخضاع ظاهرة القیادة للتحلیل وذلک بالبحث فی القواعد الأساسیة للقیادة؛ ورکزت هذه الدراسات الأولی علی الفلسفة والقانون الأخلاقی بوصفهما أساسیین لفهمهما.

وقد أثمرت القرون الماضیة قدراً ضخماً من المنشورات حول القیادة الموجهة عسکریاً وأثبتت الآراء التحلیلیة لموریس دوسکس، وغومینی، وکلوزدیتز، وأدونت دویک، وغیرهم، فی أنها قیّمة.

ص: 53

ووفر لنا المؤرخون العسکریون تحلیلات قیمة، وواسعة، ومفصلة، للقیادة العسکریة فی الماضی، وکذلک توفر التعلیقات الاستبطانیة (فحص المرء، أفکاره ودوافعه ومشاعره) لقادة الحرب الناجحین، أساساً لدراسة القیادة العسکریة.

وطوال نصف القرن الماضی، أثار النمو السریع للتنظیمات المدنیة للأعمال، اهتماما شدیداً، وقدراً کبیراً من البحث فی (الإدارة العلمیة)، فی دوائر الأعمال والتجارة.

ولأسباب مشابهة، تسیر دراسة الأمور العسکریة، بصورة سریعة جداً، ویتوافر الآن قدر ضخم من المنشورات حول الإدارة العلمیة، وإدارة الأفراد، والعلاقات الإنسانیة.

علی أیة حال، مما یؤسف له أن کثیرا من المنشورات المتوافرة، حول موضوع القیادة، لا یدور حول نظریة القیادة العملیة، وکذلک فبعضها، من غیر شکل، یقوم علی أساس الملاحظة الخاطئة والتأمل المجرد، والتجارب الفریدة لأحد الأفراد، ولذلک یشک فی صحتها.

وقبل أن یکون بالإمکان صیاغة مذهب نافع للقیادة، ینبغی تحقیق مهمتین رئیستین.

أولاً: ینبغی فصل ما هو صحیح عن القیادة عن ما هو تأمل مجرد.

ثانیاً: ینبغی تنظیم مجموعة الحقائق حول موضوع القیادة فی نظریة مفیدة.

وخلال العقود الثلاثة الماضیة ساعدت العلوم السلوکیة، وبخاصة علم النفس وعلم الاجتماع، فی إنجاز هاتین المهمتین.

ص: 54

وهکذا فإن الأساسین الأولین لمفهوم القیادة، وهما الفلسفة والقانون الأخلاقی، تم تدعیمهما بإضافة أساس ثالث: هو العلم.

ص: 55

المسیحیة کرامة الإنسان، وأهمیته بوصفه إنساناً، وکذلک المصدر الإلهی النهائی لکل سلطة، وفرضت علی القائد، إلی جانب ذلک، ضرورة استخدام القواعد الأخلاقیة فی ممارسة تلک السلطة.

وأصبحت هذه القواعد الأخلاقیة أساساً لدستور الفارس الأخلاقی، والقائد فی المعرکة فی العصور الوسطی، مع تأکیدها علی أهمیة الوطنیة والشرف والفروسیة، ولا یزال هذا الدستور باقیاً إلی یومنا فی مهنة السلاح.

وجعل أعضاء مؤتمراتنا الدستوریة، الذین أصروا علی الاعتقاد بأن کائناً أعلی یضبط شؤون الإنسان، القانون الأخلاقی أساساً لدستورنا، وأسلوب الحیاة الأمریکیة، ومنذ عهد الجنرال واشنطن، حکم الأمریکیون، دائماً، وإلی حد بعید، علی قادتهم، بناء علی مستویاتهم الأخلاقیة والعقلانیة.

ص: 56

العامة التی تستنتج من المعلومات التجریبیة وحدها.

وتؤدی عملیة استنتاج الأحکام العامة من الفرضیات علی النظریات بواسطة البحث العلمی، إلی زیادة فی الیقین، والتقلیل من ذکر الأشیاء الخارجة عن نطاق الإدراک. ویوفر علم النفس وعلم الاجتماع بوصفهما علمین سلوکیین، أوصافاً وتوضیحات مستقرأة صحیحة عامة تفید فی تحلیل مظهر القیادة.

وتوفر المبادئ العامة المکتسبة من الأسلوب العلمی، وسیلة ملائمة لتصنیف المتغیرات العدیدة، التی تستلزمها عملیة القیادة، لذلک، فالأسلوب العلمی هو وسیلة إضافیة لاستنتاج نظریة القیادة.

ویساعد فی تصنیف العدید من المتغیرات المعقدة فی القیادة فی إطار ذی هدف، ویزید العلم من الإیمان الإلهی والعقلی والإنسانی، بوصفها وسیلة لفهم السلوک البشری.

کذلک توفر تجارب وتفکیر الرجال العسکریین طوال السنوات مصدراً هائلاً للمعرفة، من أجل فهم الإنسان بصورة عامة، وتساعدنا العلوم علی أن نفهم بصورة أدق، لذا یتصرف الأشخاص کما یتصرفون.

وبالتالی فأی مفهوم أو نظریة موحدة للقیادة العسکریة، ینبغی أن تکون حصیلة من الأسس الخلقیة والفلسفیة والعلمیة، وینبغی أن یکون المفهوم الشامل عبارة عن إطار نظامی لإرشاد المرء فی إدارة شؤون الأفراد وإلهامهم)(1).

ص: 57

ص: 58

والصفة المثلی المطلوبة فی الشخصیة العسکریة کما یذکر (ملجرام) عن دراسة أجراها (ستروفرت) (Streufert)، أواخر الثمانینیات من القرن العشرین أن هذه الصفة المثلی هی رکوب المخاطر المحسوب.

کما تشیر هذه الدراسة إلی الصلة بین رکوب المخاطر المحسوب وبین نموذج الشخصیة (أ) - وهذا النموذج یتمیز بالحماس والرغبة فی استغلال الوقت والحدة والطموح والمنافسة وهو نموذج یأخذ أصحابه الحیاة هولا لا هونا ویسابقون الزمن ویرغبون فی النجاح ویعدّون الفشل خبرة کارثیة.

ص: 59

(الداخلی الضبط) هو الأنجح فی الحیاة العسکریة بوجه عام.

ما سمات الشخصیة للقائد العسکری الناجح؟ تلک مسألة غایة فی الصعوبة ذلک أن القادة العسکریین فی التاریخ عددهم کبیر وهم مع ذلک شخصیات متباینة.

ولکن رغم ذلک فإن (ملجرام) یشیر إلی دراسة نشرها (هنتفورد) (Huntfork) أوائل الثمانینیات من القرن العشرین عن بعض قادة الحروب.

ومن الصعب عرض نتائج هذه الدراسة بالتفصیل ولکن من أهم السمات التی تتوفر فی القائد العسکری الناجح هی الواقعیة والعملیة والتصرف بعقلانیة والبعد عن الادعاء الزائف للبطولة أو حسبما نقول نحن العرب، البعد عن العنتریات)(1).

لکن هذه الدراسات فی علم النفس العسکری لم ترشد إلی الآلیة التی تزرع الثقة بالنفس وکیفیة أن یکون القائد أو المقاتل واثقاً بنفسه فی حین کانت عاشوراء أول من أرشد إلی دور الثقة بالنفس فی المعرکة إلاّ إنها لم تغفل عن الآلیة فی زرع هذه الثقة فی النفس کما ورد فی دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی الیوم العاشر من المحرم حینما صکت الحرب أسنانها علی آل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأحاطت به الجیوش من کل جانب فقال علیه السلام:

«اللهم أنت ثقتی فی کل کرب، ورجائی فی کل شدّة، وأنت لی فی کل أمر نزل بی ثقة وعدة...»(2). 

ص: 60

إلی آخر دعائه علیه السلام.

فالثقة فی مدرسة العترة النبویة لها آلیة ترسخها فی النفس وتجعلها مطمئنة وثابتة وهی الثقة بالله والاعتداد به سبحانه وتعالی.

أما ما ذکرته الدراسة فی الصفة الثانیة (المخاطرة) والصفة الثالثة (مرکز الضبط) فقد أرشد إلیهما أمیر المؤمنین علیه السلام من قبل فی قوله علیه الصلاة والسلام:

«ممن یبطئ الغضب، ویستریح إلی العذر، وممن لا یثیره العنف، ولا یقعد به الضعف، وأن یکون شجاعاً وسخیاًً وسمحاً، ومحرباً».

ومن ثم: فنحن أمام إستراتیجیة حیاتیة فی معرکة الحیاة التی شهدتها أرض الطف فی یوم عاشوراء وهو ما سنحاول الوقوف عند جزئیاته من خلال هذه الدراسة - إنشاء الله تعالی - .

ص: 61

(ویشیر تاریخ الحرب إلی حالات عدیدة فلبث فیها فئة قلیلة وفئة کبیرة؛ بمعنی أن انتصرت قوات صغیرة العدد والعدة علی قوات کبیرة العدد والعدة، وقد انشغل علماء النفس العسکری بدراسة هذا العامل الغائب الحاضر والضالع فی أسباب النصر والهزیمة - وهذا العامل هو الروح المعنویة (Morale) أو ما یسمی أحیاناً (أکس) کما یسمیه الأدیب الروسی الأشهر (تولستوی) فی روایة الحرب والسلام.

وقد اهتم عالم النفس الأمریکی الکولونل (فردریک ماننج) (Manning)، بدراسة موضوع الروح المعنویة للجنود أو العامل (أکس).

هذا العامل الذی یدفع الجنود إلی رکوب المخاطر ومواجهة العدو وجهاً لوجه - ودور الروح المعنویة فی الحرب دور معروف منذ العصور القدیمة ومثال ذلک أن الفیلسوف الیونانی القدیم اکسانوفن (Xenpohen) (428 - 354 ق.م) کان یری أن عدد الجنود أو عدتهم لیس هو العامل الحاسم فی کسب الحرب ولکن الذی یکسب فی الحرب هو الروح المعنویة التی یتحلی بها الجنود.

ولعل هذا الرأی لا یزال یتردد فی التاریخ العسکری إذ ینسب إلی القائد الفرنسی الأشهر (نابلیون بونابرت) عبارة تقول (سوف ینهزم السیف فی مواجهة الروح) - وتسود نفس الفکرة عند معظم المؤرخین العسکریین وعلماء النفس العسکری فإنه مهما کانت القیادة جیدة والقوات مجهزة فإن ثقة الجندی بنفسه وبقائده وبالهدف الذی یحارب من أجله أمر له أهمیته البالغة فی تحقیق النصر)(1).

ص: 62

فضلاً عن ذلک فإن الرجوع إلی سیرة الأنبیاء والرسالات لاسیما القرآن الکریم والسنة المشرفة سیجد الباحث حشداً من الآیات والأحادیث التی تأسس لخلق روح معنویة قویة لدی المقاتل وذلک مما یرتکز علیها من شریان للنصر أو الفشل کحالة من قطع منه الوتین فلا قدرة له علی الحیاة.

من هنا:

لابد لنا من الوقوف عند هذه الأسس فی الفکر الإسلامی وما توصلت إلیه الدراسات المعاصرة حول دور الروح المعنویة فی قیام الجیش وما یثمره من نتائج فی أثناء دخوله ساحة المعرکة.

ص: 63

وفی مجال علم النفس الصناعی تعرف الروح المعنویة بأنها شعور متنام لدی أفراد جماعة العمل بقصد تحقیق أهداف المؤسسة الصناعیة التی ینتمون إلیها، والتی عادة ما تتمثل فی محاور ثلاثة هی:

1 - أکبر قدر ممکن من الإنتاج.

2 - أرقی قدر ممکن من الجودة.

3 - أقل قدر ممکن من الکلفة بحیث تحقق المؤسسة الصناعیة أکبر قدر ممکن من الربح.

فی مجال علم النفس العسکری تعرّف الروح المعنویة بأنها حالة نفسیة یکون علیها الجنود بحیث یتمیزون بعلو الهمة والدافعیة للقتال وحسن القیام بما یکلفون به من مهام مع وجود الثقة بالذات والثقة بالقیادة؛ ولمزید من توضیح مفهوم الروح المعنویة فی المجال العسکری نورد ما یلی من علامات:

1. تتمیز الجماعة العسکریة ذات الروح المعنویة العالیة بالشعور ب_(النحن) وأنهم جمیعاً علی قلب رجل واحد.

2. کما تتمیز بالجاهزیة النفسیة لمواجهة المهام الصعبة التی یکلف بها أفراد الجماعة العسکریة.

3. انتفاء أسباب الصراع أو التنازع بین أفراد الجماعة العسکریة بحیث یتحقق أکبر قدر ممکن من التماسک والانضباط.

4. التنافس الشریف بین أفراد الجماعة العسکریة فی سبیل تحقیق الأهداف

ص: 64

المناطة بها مع توفر القناعة الذاتیة بهذه الأهداف لدی کل فرد من أفراد الجماعة العسکریة.

5. القدرة علی مواجهة الأحوال الطارئة التی تزخر بها الحیاة العسکریة وخاصة فی المواقف القتالیة الصعبة.

6. تناسی أفراد الجماعة العسکریة ما قد یکون بینهم من (حزازات شخصیة) فی سبیل تحقیق الهدف الأسمی للجماعة العسکریة وهو تحقیق النصر.

7. وجود اتجاهات إیجابیة من أفراد الجماعة العسکریة تجاه القائد بحیث یطیعون أوامره عن قناعة لا عن إجبار.

8. أن یکون النقد المتبادل - إن وجد - بین أفراد الجماعة العسکریة علی هیأة نقد بناء یتسم بالموضوعیة وأن یعلم هؤلاء الأفراد أن هدف النقد تصحیح الأخطاء لا تصیدها.

9. کون قائد الجماعة العسکریة محل حب وثقة الأفراد بحیث تکون طاعته عن قناعة لا عن إجبار)(1).

وهذه العلامات التی توصلت إلیها الدراسات فی علم النفس العسکری نجدها متجذرة فی الروح المعنویة لأصحاب الإمام الحسین علیه السلام، وفضلاً عما توصلت إلیه هذه الدراسات من علامات فإن القرآن والعترة النبویة علیهم السلام أوجدا من الأسس والمقومات لبناء الروح المعنویة ما تعجز عنه جمیع الدراسات فی المجال النفسی والعسکری؛ وذلک أن الله تعالی هو اللطیف الخبیر

ص: 65

بعباده وهو أتقن کل شیء خلقه.

ومن ثم فإن القرآن والعترة النبویة یقدمان الأسس الحقیقة التی یتم بها بناء الروح المعنویة لدی المقاتل کما سیمر بیانه.

ص: 66

1. الإیمان. فالمنافقون لا یستجیبون إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فنصت الآیة علی تحریض المؤمنین.

2. الصبر. وهو سنام الروح القتالیة.

فضلاً عن بیانها لشرطین من شروط الخسران، وهما:

ألف: الکفر.

باء: لا یفقهون.

فإذا تمت الاستفادة من نقاط ضعف العدو وتجنبها حصلت الغلبة فی ساحة المعرکة بمعنی: من کان مؤمناً وصابراً ومتفقها تجمعت لدیه شرائط الروح المعنویة والقتالیة.

ص: 67

النفسیة فی الذکوریة ودوافعها إلی المعطیات الإیمانیة المرتکزة علی جملة من المفاهیم الجدیدة فی التحریض.

وهی ما جاءت به الآیة المبارکة فی قوله تعالی:

((فَلْیُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یَشْرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ یُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیُقْتَلْ أَوْ یَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا))(1).

فالآیة المبارکة تطرح معطیات جدیدة للتحریض علی القتال، وهی:

1 - إن جوهر القتال وروحه مرتکز علی الإیمان بالله تعالی فیکون فی سبیله لا فی سبیل إظهار الرجولة ومقتضیاتها؛ ولا فی الغلبة والانتصار وهزیمة الخصم، ولا الحصول علی الغنیمة؛ وإنما الهدف لله تعالی.

2 - إن القتال فی سبیل الله هو الآخر یرتکز علی محور جدید وهو الآخرة.

3 - إن المقاتل تظل نفسه تتوق للغلبة والغنمیة وهذان المکونان النفسیان استعاض القرآن عنهما بمکوّن إیمانی أو تمت الاستفادة من المکون النفسی إلی المکون الإیمانی، فکانت الغلبة یقابلها حالة الأجر العظیم کما فی قوله سبحانه وتعالی:

((...وَمَنْ یُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیُقْتَلْ أَوْ یَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا)).

وکانت الغنیمة یقابلها الآخرة وذلک من خلال بیع الدنیا لأجل شراء الآخرة فقال سبحانه:

ص: 68

((فَلْیُقَاتِلْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یَشْرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالآخِرَةِ...))(1).

ویشرون بمعنی: یبیعون الدنیا لأجل الحصول علی الآخرة.

4 - من الاستحقاقات التی جاء بها القرآن الکریم وأعدها لمن یقاتل فی سبیل الله، الحیاة بعد الموت فقال عزّ وجل:

((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ))(2).

وقوله سبحانه وتعالی:

((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَلَکِنْ لا تَشْعُرُونَ))(3).

وهذه الرتبة العالیة لها من البناء النفسی والمعنوی ما یجعل المقاتل یتسابق إلی الموت فی سبیل الله کی ینال السعادة الأخرویة فضلاً عن إبداء الجلادة والثبات فی المعرکة وکلها من أساسیات النصر.

ص: 69

بمعنی:

تدعیم عامل الغضب والبغض مما یرفع الروح القتالیة إلی مستویات عالیة؛ فالخصم الذی وقف لقتاله هو ولی الشیطان ولذا یجب أن یغضب لله ویبغض لله وینتصر لله تعالی.

فقال سبحانه وتعالی:

((الَّذِینَ آمَنُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ کَفَرُوا یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِیَاءَ الشَّیْطَانِ إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطَانِ کَانَ ضَعِیفًا))(1).

ص: 70

وهو ما تم علی الواقع النظری والعملی فی معرکة بدر حینما أمد الله تعالی رسوله والذین آمنوا به بالملائکة یقاتلون إلی جانب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال سبحانه وتعالی فی هذه الحقیقة:

((إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ فَاسْتَجَابَ لَکُمْ أَنِّی مُمِدُّکُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُرْدِفِینَ))(1).

وقال سبحانه وتعالی:

((وَلَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِینَ أَلَنْ یَکْفِیَکُمْ أَنْ یُمِدَّکُمْ رَبُّکُمْ بِثَلَاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُنْزَلِینَ * بَلَی إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَیَأْتُوکُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا یُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُسَوِّمِینَ))(2).

ص: 71

1 - ((یا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ))(1).

2 - ((...وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ...))(2).

وغیرها من الآیات الکریمة التی أسست لبناء الروح المعنویة والقتالیة لدی المسلم والتی ترافقت مع جملة من الأحادیث والسنن التی أدخلها أهل البیت علیهم السلام فی القتال ابتداءً من غزواته صلی الله علیه وآله وسلم، ومن ثم قتال علی بن أبی طالب علیه أفضل الصلاة والسلام، وأخیراً ما سنعرض له من خلال مأساة عاشوراء.

ص: 72

ص: 73

الأساس الأول لهذه العقیدة والروح القتالیة: تقدیم الله جلّ وعلا علی جمیع العوالق والروابط الشخصیة والاجتماعیة وذلک من خلال قتال الآباء والأبناء والإخوان والأعمام.

هذه الروح الإیمانیة والقتالیة أثمرت خصالاً وصفات جدیدة لدی المقاتل، وهی:

1 - الارتقاء فی سلم الإیمان بالله تعالی.

2 - التسلیم لله تعالی.

3 - الإصرار علی المضی والوصول إلی الهدف.

4 - الصبر علی مضض الألم؛ أی: تحمل حرقة الألم.

5 - الجد فی جهاد العدو، أی: الإصرار فی الجهاد.

وهذه الخصال قدمت أنموذجاً للروح المعنویة فریداً لکل القادة العسکریین والجند ولمن أراد خوض غمار الحروب والتأسی بتقنیة الروح المعنویة والقتالیة عند أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام.

ص: 74

ص: 75

لدی المقاتل غالباً إنما هو بید الله تعالی؛ وأمّا القتل أو الخسران فهو منوط بالأجر العظیم الذی یضمن له السعادة الأبدیة.

أی تصبح الآخرة والفوز بها ورضا الله تعالی هو أساس الروح المعنویة وهو ما ثبت عند القرآن الکریم والنبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وعترته علیهم السلام، فکانت کربلاء الأنموذج الأوحد فی هذه الروح المعنویة وذلک أنهم جمیعاً علموا قبل بدء المعرکة بأنهم شهداء فتسابقوا للشهادة فی حین کان الأمر حتی فی زمن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مرتکزاً علی إحدی الحسنیین، إما النصر، وإما الشهادة؛ والشهید لم یکن لیدرک أنه سینال هذه الشهادة والکرامة فی حین کان أنصار سید الشهداء علیه السلام متیقنین من شهادتهم فکانوا أنموذجا فریداً فی الروح المعنویة والقتالیة.

ص: 76

ص: 77

ص: 78

ص: 79

إلاّ أن عملیة الاندماج فی الجماعة وخلق روح الجماعة لم یکن موکلاً بحد ذاته إلی الرمز لکونه رمزاً ینضوی تحته الجماعة وإنما حینما یکون الرمز یمثل القضیة التی تؤمن بها الجماعة، وحینما تکون القضیة مجتمعة فی القائد، وحینما یکون القائد یمثل روح الجماعة والقیمة والرمز فعندها تکون الجماعة قلباً واحداً، ویداً واحدة.

وهذا ما تفردت به عاشوراء فقد کان الحسین علیه السلام هو القضیة وهو الجماعة وهو الرمز وهو القداسة وهو القائد؛ وهذا ما لم یجمع لجیش علی مر التاریخ حتی لدی تحرک الأنبیاء علیهم السلام وتوفر عناصر الروح المعنویة لدیهم، إلا أن روح التضامن بین الجماعة ورتبة الإیمان لدی الجماعة بالقضیة المتجسدة فی الرمز وهو القائد لم یتحقق فی حیاة الأنبیاء علیهم السلام وذلک لوجود عددٍ من المنافقین بین أتباع الأنبیاء علیهم السلام؛ فی حین توحد الجماعة وتضامنها وإیمانها بقداسة القضیة وتجسدها بالرمز وإنه القائد، کل ذلک کان مجتمعا فی عاشوراء حتی أصبحت علی مدی الأیام رمزاً للتضحیة والمبادئ والقیادة والقداسة وجمیع مفردات الحیاة.

ففیها من القیم الأخلاقیة التی تجلت فی صراع الإنسان مع الموت والحیاة ما لم یظهر فی غیرها حتی أضحت مشاهد جمالیة لکل صاحب حس إنسانی وحیاتی(1).

ص: 80

ص: 81

«إنی لا أری الموت إلا  سعادة والحیاة مع الظالمین إلاّ برما».

وإن کان التاریخ العسکری والقیادی یشهد للقائد القرطاجی هانیبال أو هنیبعل بأنه (أعظم القادة العسکریین فی الجیوش القدیمة بسبب تفهمه الکبیر لأهمیة معنویات الجنود فی المعرکة، سواء أکانت معنویات جیشه أم جیش العدو، وقد برهن عن هذا الجانب من عظمته فی مختلف المعارک والحملات، لم یکن جنوده أفضل من الرومان، وکان عددهم أقل بنسبة النصف.

لکنه کان دائماً یحقق الانتصارات، لأنه فهم قیمة المعنویات، وکان مطلق الثقة بجنوده؛ علاوة علی ذلک کان یملک فن تأمین الروح المعنویة العالیة کمیزة إضافیة لجیشه یتفوق بها علی جیش العدو)(1).

ولعل مثالاً واحداً من قیادته لأهم المعارک التی خاضها مع الروم وانتصر فیها علیهم هو فهمه لقیمة الروح المعنویة وخلقها فی نفوس الجند، إلاّ أن الفارق بین هذه الروح المعنویة التی فجرها هنیبعل فی نفوس جنوده وبین الروح المعنویة التی زرعها الإمام الحسین علیه السلام فی أصحابه هو أن سید الشهداء کان هو مکمن هذه الروح ووجودها عند أصحابه وهو مثال القیم والمبادئ التی کانت تری منه صورة عملیة علی الأرض؛ فالفرق بین أن تحفز الروح المعنویة فی الجند وبین أن تکون أنت الروح لهؤلاء الجند فرق لا یمکن إحصاؤه ومقارنته وذلک أن جنود هنیبعل وجدوا القتال عنصراً لکسب الحیاة والنصر؛ والحسین وأصحابه

ص: 82

علیهم السلام وجدوا الموت مادة وعنصراً للحیاة.

ولعل الرجوع إلی کیفیة خلق الروح المعنویة لدی القرطاجیین یعطی تصوراً واضحاً لمن أراد أن یعی حقیقة الروح المعنویة التی کانت عند أصحاب الحسین علیه السلام فی معرکة الطف.

إذ کان علی هنیبعل (عشیة أول معرکة سیخوضها جیشه مع الکتائب الرومانیة المرعبة، کان علی هنیبعل أن یجد طریقة لیبعث الحیاة فی جنوده المتعبین - بعد تلک الرحلة التی قادهم فیها من تونس إلی روما عبر جبال الألب مما کلفه أن یخسر اثنین وسبعین ألفاً من جیشه البالغ (102) ألف، فلم یبقَ معه سوی (26) ألفاً.

فقرر أن یقدم عرضاً: جمع جیشه، ثم جلب مجموعة من السجناء وقال لهم إنه إذا تقاتلوا فی مسابقة مصارعة، فإن المنتصرین سیفوزون بالحریة، ویصبحون جزءاً من الجیش القرطاجی.

وافق السجناء، وعاش الجنود ساعات من الترفیه الدموی، وشکّل ذلک إلهاء کبیراً عما یشغل بالهم.

حین انتهی القتال، خاطب هنیبعل رجاله، کانت المباراة ممتعة جدّاً، قال لهم، لأن السجناء قاتلوا بضراوة.

کان هذا جزئیاً لأنه حتی أضعف الرجال یصیر ضاریاً حین تعنی الخسارة الموت، لکن هناک سبباً آخر: لقد منحوا الفرصة للانضمام إلی الجیش القرطاجی، أن یتحولوا من سجناء بائسین إلی جنود أحرار یقاتلون من أجل قضیة عظیمة،

ص: 83

وهی هزم الرومان المرذولین.

أنتم أیها الجنود، قال هنیبعل، فی هذا الوضع تماماً، أنتم تواجهون عدوّاً أقوی بکثیر، إنکم تبعدون أمیالاً عن الوطن، وعلی أرض معادیة، ولیس لدیکم مکان تذهبون إلیه - أنتم بطریقة ما سجناء أیضاً، الخیار أمامکم هو إما العبودیة وإما النصر أو الموت، لکن قاتلوا مثلما قاتل أولئک الرجال الیوم وستنتصرون.

أثّرت المباراة والخطاب بجنود هنیبعل، وفی الیوم التالی حاربوا بضراوة وهزموا الرومان، ثم تبع ذلک انتصارات أخری علی کتائب رومانیة أکبر حجماً)(1).

وعلیه: فشتان بین أن یخیر الجند فی قتالهم الخصم من أجل البقاء والحیاة وبین أن یقاتلوا لیموتوا فتحیا القضیة والهدف، بین أن یری القائد الموت سعادة والحیاة مع الظالمین برما وبین أن یندفع الجند للقتال کی لا یموتوا، فضلاً عن أن کینونیة القتال والقائد والهدف والقضیة والموت جمیعها عناصر مقدسة فی ملحمة عاشوراء.

ص: 84

ص: 85

ص: 86

حتی لدی الأعداء کما سیمر من خلال صرخات بعض قادة الجیش وهو یشد من عزیمة جنده البالغ عددهم أکثر من ثلاثین ألفا یقاتلون رجالاً لا یتجاوزون التسعین نفراً: (أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر، قوماً مستمیتین، لا یبرزن لهم منکم أحد)(1).

هکذا کانت استغاثة قادة جیش یزید بن معاویة فی یوم عاشوراء.

ص: 87

ص: 88

ص: 89

إنّ لکل معرکة بین جیشین توجد مجموعة مقومات یتم جمعها مسبقا وآنیا لغرض الوصول إلی هدف الجیش المقاتل، وهذه المقومات الموصلة إلی هدف الجیش تسمی بالإستراتیجیة العسکریة؛ أما التی ینجزها الجیش من خلال المعرکة فتحقق ما أرادته السلطة الحاکمة فهو الإستراتیجیة العلیا.

بمعنی: تسعی السلطة أو الدولة إلی تهیئة جمیع الظروف والعوامل من أجل تحقیق الهدف الأسمی وهو النصر الذی یحقق السلم والأمان والاستقرار وهذا الهدف تسخر السلطة من أجله کل الإمکانیات العسکریة والاقتصادیة والاجتماعیة والفکریة.

ولذلک:

(فإن علی الإستراتیجیة العلیا أن تقدر وتضاعف الإمکانیات الاقتصادیة والقدرة البشریة بقصد دعم الوحدات المقاتلة، علاوة علی دعم القوی المعنویة، لأن أهمیة تقویة إرادة الرجال وشخصیتهم تعادل أهمیة الحصول علی القدرة المالیة.

والإستراتیجیة العلیا تتولی أیضا تنظیم وتوزیع الأدوار والقوی بین مختلف

ص: 90

المرافق والصناعة، وعلینا أن ندرک علاوة علی ذلک أن القدرة الحربیة عامل واحد من عوامل الإستراتیجیة العلیا التی یدخل فی حسابها قوة الضغط المالی أو السیاسی أو الدبلوماسی أو التجاری أو المعنوی، وکلها عوامل هامة لإضعاف إرادة الخصم.

إن مدی الإستراتیجیة محدود بالحرب ولکن الإستراتیجیة العلیا تنظر إلی ما وراء الحرب ونحو السلم الذی سیعقبها، ولیس علیها أن تکتفی بتحقیق التوافق بین مختلف وسائط الحرب فحسب، إنما علیها أن تنظم استخدامها بغیة تلافی ما یؤذی السلم المقبل الذی یجب أن یکون ثابتاً ویحقق حیاة أفضل)(1).

وعلی مر التاریخ لم تکن هناک إستراتیجیة علیا سخرت جمیع إمکانیاتها لتحقیق هدفها فی خلق حیاة أفضل ونجحت مثلما نجحت الإستراتیجیة العلیا عند الإمام الحسین علیه السلام والتی کانت کربلاء أول منصة لعرضها أمام الفکر الإنسانی.

ولو نظر الإنسان إلی قضیة واحدة فی العالم الإسلامی لفهم هذا النجاح الذی حققته الإستراتیجیة العلیا عند سید الشهداء علیه السلام، ألا وهی بناء الحسینیات والهیئات التی تشرف علی إقامة مجالس الإرشاد والتوعیة الفکریة فضلاً عن دور عاشوراء فی خلق الروح المعنویة للتغییر فی النفس والمجتمع بمراتب عالیة عجز کثیر من التیارات الفکریة والمدارس الثقافیة والدینیة عن إیجاد بدیل لها أو أنها حققت الهدف الأعلی وهو (الإصلاح) مثلما حققته

ص: 91

الإستراتیجیة العلیا لعاشوراء.

وهذه میزة فریدة اختصت بهذه المعرکة فکانت کما هی عاشوراء فریدة فی کل جزئیاتها بما فیها الإستراتیجیة العسکریة وما تضمنته من تکتیک وهجوم ودفاع، فضلاً عن استخدام الحرب النفسیة والإعلامیة والعقدیة فکانت أنموذجاً فریداً.

وهو ما نحاول الوقوف عنده ودراسته وتحلیله وبیانه کی یلمس القارئ هذه الحقائق العلمیة والدروس والأفکار والوسائل التی استخدمها الإمام الحسین علیه السلام فی معرکة الطف لتحقیق هدفه الذی أعلن عنه قبل البدء فی المعرکة، فقال علیه السلام:

«إنی لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فی أمة جدی».

إذن:

الإستراتیجیة العلیا عند الإمام الحسین علیه السلام إصلاح الأمة الإسلامیة؛ وذلک لتفشی الفساد فیها وانحسار المعروف وتولی المنکر فی جمیع مرافق الحیاة مما تطلب منه إعداداً خاصاً لتحقیق هذا الهدف الذی شمل مجموعة من الوسائل والآلیات فکانت من بینها الحرب العسکریة التی تجلت فیها کذاک الحرب العقدیة والفکریة والنفسیة والاجتماعیة والإعلامیة وذلک من خلال مجموعة من الأدوات وهی:

1 - إظهاره علیه السلام للأسباب والعوامل التی أدت بتراجع الأمة وانحراف

ص: 92

مسارها من خط الرسالة المحمدیة وذلک من خلال الخطبتین الاحتجاجیتین اللتین حاجج بهما الإمام الحسین علیه السلام جیش العدو فأرشد کل باحث ومفکر وقارئ إلی عوامل تغیر المجتمع الإسلامی الذی أخرج هذه المجامیع من الجند الذین زحفوا لقتاله.

وأظهر علیه السلام أن هذه العوامل الأنثروبولوجیة فیما لو طبقت علی بیئة أخری لأنجبت مثل هذه المجامیع الفاسدة والهدامة ولعاثت فی الأرض الفساد.

فکانت المعرکة قد حققت انکشاف عوامل التردی الاجتماعی والفکری وسبل معالجة هذه الانحرافات الفکریة والنشوئیة فی الأسرة والمجتمع، فنجحت المعرکة فی حربها الفکریة والاجتماعیة(1).

2 - انکشاف انحراف السلطة الحاکمة التی تولت السلطة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن نقطة الانحراف إنما بدأت من السقیفة وإن یزید ابن معاویة ثمرة من ثمرات سقیفة بنی ساعدة، وهذه الحقیقة أثبتتها الإستراتیجیة العلیا للإمام الحسین علیه السلام حینما أخرج عیاله إلی کربلاء.

3 - إن صلاح الإنسان مرهون بصلاح التوحید لله تعالی؛ وإن أی تردٍّ فی الحیاة إنما سببه انحراف الفکر من نواة التوحید، ومن ثم فالحرب مرتکزة علی عقیدة التوحید وهذا ما تکشّف من خلال مکونات عناصر جیش الإمام الحسین علیه السلام فی مرحلة القتال الثانیة، وهی معرکة التوحید التی قادتها العقیلة

ص: 93

زینب علیها السلام وما صاحب رحلتها مع أخواتها والأطفال من کربلاء إلی المدینة(1).

4 - فی الجانب العسکری کشفت المعرکة أعقد التکتیکات والمفاجآت والهجوم غیر المباشر فی حربها ضد الخصم فکانت علی المستوی العسکری - کما کانت علی مستوی الإستراتیجیة العلیا - أنموذجاً فریداً فی الحرب - کما سیمر بیانه - .

ص: 94

((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّکُمْ...))(1).

وبناء القوة یستلزم بناء العقل والنفس والجسد، وتهیئة الوسائل التی یتم بها هذا البناء کی یتکون لدینا البیان المرصوص کما عرفته الآیة الکریمة فی قوله تعالی:

((إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیَانٌ مَرْصُوصٌ))(2).

وهذا البنیان المرصوص أظهرته معرکة الطف کإستراتیجیة قتالیة فریدة فی ظهورها وممارستها حتی أعجزت الخصم الذی یفوقها عدداً وعدّة بمئات المرات کنسبة فریدة وأوحدیة فی تاریخ الحروب من أن تحقق نصراً عسکریاً سریعاً وفی دقائق معدودات.

إلاّ أن واقع المعرکة یکشف عن أن هذه الألوف المجتمعة والمقاتلة اضطرت للمواصلة فی القتال ساعات عدیدة حتی أعیت القادة قبل الجند فی تحقق نصر عسکری.

والسؤال الذی یفرضه البحث: کیف بنی الإمام الحسین علیه السلام قوته فی حربه وقتاله الأعداء؟

وجوابه فیما یلی:

ص: 95

ص: 96

ولا یقاتلون فی سبیله إلا حینما یکونون موحدین له، وکلما کان اعتقادهم بالتوحید أصدق کلما کان بنیانهم أرص.

وهذه الحقیقة یمکن ملاحظتها من خلال لیلة عاشوراء حینما جمعهم الإمام الحسین علیه السلام وخاطبهم قائلاً:

(«أثنی علی الله أحسن الثناء، وأحمده علی السراء والضراء، اللهم إنی أحمدک علی أن أکرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن وفقهتنا فی الدین، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاکرین.

أما بعد: فإنی لا أعلم أصحاباً أوفی ولا خیراً  من أصحابی، ولا أهل بیت ابر ولا أوصل من أهل بیتی فجزاکم الله عنی خیر الجزاء ألا وإنی لأظن أنه آخر یوم لنا من هؤلاء ألا وقد أذنت لکم فانطلقوا جمیعا فی حل لیس علیکم منی ذمام هذا اللیل قد غشیکم فاتخذوه جملا»(1).

فقال أخوته وأبناؤهم وأبناء عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقی بعدک لا أرانا الله ذلک الیوم أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علی - علیه السلام - واتبعته الجماعة علیه فتکلموا بمثله ونحوه، فقال الحسین علیه السلام:

«یا بنی عقیل حسبکم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لکم»(2).

قالوا: سبحان الله ما نقول للناس؟ نقول إنا ترکنا شیخنا وسیدنا وبنی عمومتنا خیر الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسیف ولا ندری ما صنعوا بهم لا والله لا نفعل ولکن نفدیک أنفسنا وأموالنا وأهلنا أو

ص: 97

نقاتل معک حتی نرد موردک فقبح الله العیش بعدک.

وقال مسلم بن عوسجة: والله لو علمت أنی أقتل ثم أحیا ثم أحرق ثم أحیا ثم أحرق ثم أذری یفعل بی ذلک سبعین مرة ما فارقتک حتی ألقی حمامی من دونک وکیف لا افعل ذلک وإنما هی قتلة واحدة ثم هی الکرامة التی لا انقضاء لها أبدا.

وقام زهیر بن القین رحمه الله: والله لوددت أنی قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتی اقتل هکذا ألف مرة وان الله یدفع بذلک القتل عن نفسک وعن أنفس هؤلاء الفتیان من أهل بیتک لفعلت وتکلم بعض أصحابه بکلام یشبه بعضه بعضا فی وجه واحد فجزاهم الحسین علیه السلام خیرا وانصرف إلی مضربه)(1).

وهذه المواقف تنطق بصدق الاعتقاد بالله عزّ وجل والإخلاص له فی توحیده ولولا هذه العقیدة لما کانت لهم تلک المواقف فی یوم عاشوراء وهم یجدون أن الإمامة شرط من شروط التوحید؛ فالدفاع عن الإمام الحسین علیه السلام دفاع عن عقیدة التوحید والنبوة.

ص: 98

آثار العبادة والتهجد علی بناء الروح وتقویة القلب حتی یصبح کزبر الحدید.

هذه الآثار لم تکن محصورة بالمؤمن بالله تعالی بلی کذا سری أثرها فی الذین لم یؤمنوا بالله تعالی وتجهزوا لقتال أولیائه.

(لقد أثر تهجد الإمام الحسین علیه السلام علی الأعداء تأثیراً بالغاً ومن عدة جوانب:

ص: 99

3. أن عاقبته سیئة.

4. أن مصیره إلی النار والعذاب.

5. أنه وضیع.

6. أنه أداة تستهلک بید غیره.

7. أنه یدمر نفسه کی یتنعم بالدنیا غیره.

8. أنه عار علی أبنائه وعشیرته.

9. أنه موضع لعنة الله علی مر الأجیال.

وغیرها من الادراکات التی تدور فی الذهن فتستشعرها النفس بمرارة وحسرة فتکون هذه الأحاسیس أشد ألماً علی النفس من آلام الجراح.

ولذلک نجد الکثیر من الظالمین حینما یعیش هذه الحالة النفسیة تأخذه العزة بالإثم کما دلّ علیه قوله تعالی:

((وَإِذَا تَوَلَّی سَعَی فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا یُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ))(1).

فلا یجد من الناحیة النفسیة غیر المضی بهذا الظلم، إلاّ فی حالة واحدة وهی تغلیب العقل علی النفس فیأخذ من هذه المشاهد التی یراها من أهل الخیر والصالحین فیشد النفس إلی اللحاق بهم بعد التوبة والمغفرة.

ص: 100

ص: 101

یملک سوی سبعین رجلاً من أنصاره - علی المشهور - وسبعة عشر نفراً من أهل بیته وأرحامه وهم بین الأخوة وأبناء العمومة؛ أن یقاتل هذه الجیوش بهذه القلة من العدد والعدة وهو ضامن أنه سیلحق بخصمه خسائر فادحة فی المعرکة.

فی حین اقتضت الحالة من الناحیة العسکریة أن یتمکن الخصم وهو بهذا الجیش أن یقضی علی هذه المجموعة الصغیرة فی دقائق معدودات قد لا تتجاوز الساعة الواحدة، إذ لو یکتفی هذا الجیش الجرار بآلة واحدة للقتال وهی السهام لاستطاع أن یحقق الإبادة الجماعیة لخصمه لکنه عجز عن حسم المعرکة إلاّ بعد مرور ساعات عدیدة استنزفت منه جمیع الطاقات ودفعته لاستخدام مختلف الأسلحة والاضطرار إلی تغیر متکرر لأسلوب الحرب حتی أعیاه الجهد وأضناه القتال.

وعلیه:

ماذا أعد سید الشهداء علیه السلام من الإستراتیجیة الدفاعیة لمواجهة هذه الجیوش التی زحفت لقتاله مع أهل بیته وأصحابه، وکیف استطاع الصمود کل هذا الوقت، وکیف حقق النصر علی مستوی الإستراتیجیة العلیا فضلاً عن تحقیق مکاسب کبیرة فی الإستراتیجیة العسکریة.

ص: 102

أبی طالب علیه السلام، إذ یقول لجنده وقادة جیشه:

«فإذا نزلتم بعدو أو نزل بکم فلیکن معسکرکم فی قبیل الأشراف(1)، أو سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار کیما یکون لکم ردءاً ودونکم مرداً؛ ولتکن مقاتلتکم من وجه واحد أو اثنین. واجعلوا لکم رقباء فی صیاصی(2) الجبال، وبأعلی الأشراف وبمناکب(3) الهضاب، یریئون لکم لئلا یأتیکم العدو من مکان مخافة أو أمن؛ وأعلموا أن مقدمة القوم عیونهم، وعیون القدمة طلائعهم، وإیاکم والتفرق فإذا نزلتم فأنزلوا جمیعاً، وإذا ارتحلتمْ فارتحلوا جمیعاً، وإذا غشیکم اللیل فاجعلوا الرماح کفّةً(4)، ولا تذوقوا النوم إلا غراراً أو مضمضة(5)»(6).

وهذه الإستراتیجیة فی نزول الجیش ودراسة الأرض التی سیقاتل علیها، نجدها قد طبقت فی أرض کربلاء حینما وصل الإمام الحسین علیه السلام إلی أرض کربلاء فوجد أن هذه الأرض تمتاز بما یلی:

1 - أرض زراعیة یخترقها نهر سمی بالعلقمی وقد أحاطت: النهر مجموعة من النخیل.

ص: 103

2 - فیها هضبة مرتفعة عرفت فیما بعد ب_(التل الزینبی).

3 - فیها وادٍ أو منخفض یحاذی هذه الهضبة أو التلة.

4 - انبساط الأرض مقابل التل ومن حوله.

وعلیه:

أ: فقد اختار الإمام الحسین علیه السلام النزول والتعسکر بجانب التل الزینبی فجعل الخیام ظهرها إلی الغرب ووجهها باتجاه الشرق فکانت میسرته بمحاذاة التل الزینبی.

ب: تحدید مساحة المعرکة بین التل الزینبی ونهر العلقمی.

ج: جعل القبلة علی یمینه وشروق الشمس أمامه ویقابل بذلک تمرکز خصمه.

د: أصبح وادی الطف علی یسار المخیم، فکانت ساحة القتال ما بین المعسکرین ما یعرف الیوم بشارع باب القبلة وشارع السدرة وفیه موضع ذبح الطفل الرضیع.

ص: 104

قال الطبری: (وکان الحسین علیه السلام أتی بقصب وحطب إلی مکان من ورائهم منخفض کأنه ساقیة فحفروه فی ساعة من اللیل فجعلوه کالخندق ثم ألقوا فیه ذلک الحطب)(1).

وقد سعی الإمام الحسین علیه السلام فی ذلک إلی حفظ مؤخرة المعسکر کی یأمن من المباغتة والالتفاف من الخلف وهو تکتیک دفاعی مهم لإجبار العدو علی المواجهة حسبما أراده الإمام الحسین علیه السلام.

ص: 105

الثانی وهو مجموعة من الخیام ووضع فیها المتاع من الفرش والأوانی وغیرها.

أما المجموعة الثالثة من الخیام فهی التی أنزل فیها النساء والأطفال وجعل الجند من أصحابه وأهل بیته أمام مخیم النساء حرصاً منه علی صون بنات الرسالة فی أثناء المعرکة فضلاً عن جعل العدو یقاتل لجهة واحدة مع وجود هذه التحصینات فی ظهر المخیم الحسینی الذی حقق حفظ التوازن فی المعرکة وقطع طریق الالتفاف والمباغتة وفتح الثغرات فی أثناء المعرکة کما سیمر بیانه بمزید من التفصیل.

ص: 106

بأعلی صوته: یا حسین تعجلت بالنار قبل یوم القیامة، فقال الحسین علیه السلام:

«من هذا؟ کأنه شمر بن ذی الجوشن».

قیل: نعم، فقال علیه السلام:

«یا ابن راعیة المعزی أنت أولی بها صلیاً»)(1).

ص: 107

الخلف، دون أن یستدیر لیستخدم أسلحته ضد هذا المهاجم.

وعملیة الاستدارة تجعل الجیش یفقد توازنه وتضعه فی وضع قلق بعض الوقت، وهکذا فالمخ یکون أکثر تأثراً بکل خطر قادم من وراء الظهر، وعلی العکس یؤدی السیر بصورة مباشرة نحو العدو إلی تقویة توازنه المادی والمعنوی وزیادة قدرته علی المقاومة)(1).

وهذه الحقیقة العلمیة التی توصل إلیها لیدل هارت: کان النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قد استخدمها فی معرکة اُحد حینما جعل مجموعة من الرماة لحفظ مؤخرت جیش المسلمین من المباغته إلا ان معصیته صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة أمره فی ترک المواقع مکن خالد بن الولید وکتیبته من ضرب المسلمین من الخلف فخسروا المعرکة.

ومن هنا: کان الإمام الحسین علیه السلام حریصاً علی جعل المعرکة والقتال فی جهة واحدة.

ص: 108

یعبئون رجالهم للقتال فی أوقات الحرب، حتی إذا ما وضعت الحرب أوزارها، أعاد الرجال أسلحتهم إلی مستودعاتها فی کل من بصرة، أو دمشق، وعادوا یمارسون أعمالهم الیومیة المعتادة)(1).

ولذا:

لم یشهد العرب فی الحروب تنظیماً وقیادة وتکتیکاً إلاّ بعد أن بعث النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبدء مرحلة الجهاد بقتال المشرکین بعد الهجرة النبویة فی المدینة وقیام النبی صلی الله علیه وآله وسلم بفعل الآیات الکریمة التی بدأت تحث علی القتال فی سبیل الله ضمن منظومة من المعارف العسکریة فضلاً عما قام به النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی قتاله للمشرکین من فنون عسکریة لم تشهدها العرب من قبل (فقد کان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یعرّف العرفاء، وینقب النقباء، ویؤمر علی الجیوش الأمراء، ویجعل علی کل عشرة جنود عریفاً، وعلی کل عشرة عرفاء نقیباً، أما أمیر الجیش فکان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یختاره من أهل السابقة فی الإسلام والتجربة فی القتال، وکثیراً ما کان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یقود الجیوش بنفسه)(2).

ثم أضاف عمر بن الخطاب بعض الشؤون الأخری کدیوان الجند، والخدمة الإلزامیة وتخمیس الجیش؛ إلاّ أن النظام الذی اعتمده المسلمون فی تعبئة الجیش وتنظیمه هو:

ص: 109

ألف: القلب، ویسمونه الجمهور.

باء: المیمنة والمیسرة، ویسمونهما الجنبین.

جیم: الأجنحة، وهما طرفا المیمنة والمیسرة، ویسمی کل منهما جناحا.

ثم یتطور تنظیم الجیش وتعبئة الجند وتسمی بتعبئة (الزحف الأعظم) کما یسمیها الهرثمی فی کتابه مختصر سیاسة الحروب.

وتتألف هذه التعبئة من خمسة أحیان، الحین الأول: القلب والمیمنة والمیسرة، والثانی: وراء الأول، وهو أیضا ثلاثة أجزاء وراء القلب والمیمنة والمیسرة ویسمی (ردء القلب)، ویأتی الحین الثالث: وهو الأثقال، وراء الثانی، ویأتی الرابع ویعین من یوضع من أصناف الجند فی مواقعهم من الأحیان الخمسة مشاة وفرساناً وأصحاب أعلام وحرسا وخدما وأصحاب الطبول والخراج والقاضی والشرط والبرید، ثم الطلائع والجواسیس والأطباء والفعلة والتجار والحریم، ثم الأشراف أبناء القواد.

وکذلک خیل التوافض والطلائع والخیل المانعة (کرادیس فی المیمنة والمیسرة)، والخیل الممدة (أی الأخیاط أو المدد) والکمائن، والخیل المترخیة (قرب ظهر المیمنة ومهمتها أخذ عسکر العدو المنهزم)(1).

کما تنظم الجیوش فی سرایا (تخرج فی اللیل) وسوارب (تخرج فی النهار)، ویراوح عدد کل منها بین 300 و500 مقاتل، ومباشر (بین 500 و 800 مقاتل) ثم الجیش الحسحاس (بین 800 و 1000 مقاتل)، والجیش الأزلم (ألف

ص: 110

مقاتل)، والجیش الجحفل (أربعة آلاف مقاتل)، والجیش الجرار (12 ألف مقاتل)(1).

وحیث إن الإمام الحسین علیه السلام لم یکن له من المقاتلین ما یشکلون سریة واحدة فقد کانوا اثنین وسبعین من عامة الناس وسبعة عشر رجلاً من بنی هاشم أی لم یبلغ عددهم المائة مقاتل یقابلون جیوشاً جرارة فقد بلغ عدد المقاتلین الذین خرجوا لقتاله علیه السلام أکثر من ثلاثین ألف مقاتل کما نص علی ذلک الإمام الحسن علیه السلام حینما حضرته الوفاة وکان عنده أخوه الإمام الحسین علیه السلام وقد أخذ بالبکاء علی ما نزل بأخیه الحسن من السم الذی سقته إیاه جعدة بنت الأشعث بأمر من معاویة بن أبی سفیان، فلما نظر إلیه الإمام الحسن وهو یبکی، قال:

«ما یبکیک یا أبا عبد الله؟».

قال:

«أبکی لما صنع بک».

فقال الحسن علیه السلام:

«إنّ الذی أوتی إلیّ سم أقتل به، ولکن لا یوم کیومک یا أبا عبد الله، وقد ازدلف إلیک ثلاثون ألفاً یدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم وینتحلون دین الإسلام فیجتمعون علی قتلک وسفک دمک وانتهاک حرمتک وسبی ذراریک ونسائک وإنتهاب ثقلک فعندها

ص: 111

تحل ببنی أمیة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودما ویبکی علیک کل شیء حتی الوحوش فی الفلوات والحیتان فی البحار»(1).

وتفید الروایات التاریخیة أن هذه الجیوش خرجت بحسب الأعداد والقیادات الآتیة:

1 - خرج شمر بن ذی الجوشن فی أربعة آلاف مقاتل.

2 - وخرج یزید بن الرکاب فی ألفی مقاتل.

3 - الحصین بن نمیر التمیمی فی أربعة آلاف مقاتل.

4 - شبث بن ربعی فی ألف مقاتل.

5 - کعب بن طلحة فی ثلاثة آلاف مقاتل.

6 - حجار بن أبجر فی ألف مقاتل.

7 - مضایر بن رهینة المازنی فی ثلاثة آلاف مقاتل.

8 - نصر بن حرشة فی ألفین مقاتل.

فتکامل عند ابن سعد لست خلون من المحرم عشرون ألفاً، ولم یزل ابن زیاد یرسل العساکر إلی ابن سعد حتی تکامل عنده فی یوم التاسع من المحرم ثلاثون ألفاً(2)؛ وکان أول من وصل إلی الحسین علیه السلام الحر بن یزید الریاحی فی ألف مقاتل وهو الذی اعترض الإمام الحسین علیه السلام فی طریقه إلی الکوفة وجعجع به حتی ألجأه إلی النزول فی أرض کربلاء، ثم أکرمه الله تعالی فانحاز إلی معسکر الإمام الحسین علیه السلام وقاتل بین یدیه فاستشهد یوم عاشوراء.

ص: 112

ص: 113

القین فی المیمنة، وحبیب بن مظاهر فی المیسرة، وثبت هو علیه السلام وأهل بیته فی القلب، وأعطی رایته أخاه العباس).

ویستفاد من هذا التنظیم:

أولاً: یتّضح من هذا التنظیم والتعبئة للمقاتلین أن الإمام الحسین علیه السلام قد سلک فی ذلک ما سنه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبوه أمیر المؤمنین علیه السلام فی حروبهما.

مما یکشف عن أن الإمام علیه السلام قدم هؤلاء الرجال أمام أعدائه بهذا التنظیم وهم فی قلة عددهم جیشاً منظماً سینزل بخصومه خسائر فادحة فضلاً عن تأثیر ذلک علی العدو من الناحیة النفسیة والمعنویة وأن نهارهم من أصحاب الحسین وأهل بیته نهارٌ طویلٌ وقاسٍ.

ثانیاً: حینما یکون التنظیم بهذه الکیفیة فهذا یکشف عن أن الإمام الحسین

ص: 114

علیه السلام قد أعد تکتیکا حربیاً یتناسب مع هذه الکثرة من الناحیة القتالیة وفنون الحرب، وهو ما یعرف حدیثاً ب_(إستراتیجیة الهجوم غیر المباشر)، کما سیمر لاحقا.

ثالثاً: اختیاره للقیادات یظهر مدی معرفته برجاله علی المستوی الإیمانی والعسکری مما یجعل هذا التنظیم وحرکته الحربیة توازی جیشاً.

رابعاً: فی تسلیمه رایته أخاه أبا الفضل العباس علیه السلام فإنه اتبع فی ذلک منهج أبیه أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لقادة جیشه فقال:

«ورایاتکم فلا تمیلوها ولا تُخلّوها، ولا تجعلوها إلاّ بأیدی شجعانکم والمانعین الذمار(1) منکم، فإن الصابرین علی نزول الحقائق هم الذین یخصون برایاتهم ویکتنفون حِفَافیْها وراءها وأمامها، ولا یتأخرون عنها فیسلّموها، ولا یتقدمون علیها فیفردوها»(2).

وهذا یکشف عن منزلة أبی الفضل العباس علیه السلام وما یتحلی به من سمات قیادیة جعلته محلاً لحمل رایة معسکر أخیه بما فیها من دلالات فکریة وعقدیة وعسکریة.

ص: 115

إستراتیجیة فی التعبئة العامة وحشد الناس لتکوین هذه الجیوش فضلاً عن تنظیم هذه الجنود مع صنوفها المختلفة.

وهذا التنظیم کان مشترکاً بین التنظیم العسکری والنظام القبائلی، بمعنی أن الجیش الذی خرج لقتال سید الشهداء علیه السلام کان ضمن نظام عشائری ونظام عسکری وتترأسه القیادات الآتیة.

أولاً: أمیر الجیش، وهو عمر بن سعد بن أبی وقاص.

وهو الوحید من قریش ومن التابعیین فی تلک الجیوش التی خرجت لقتال الحسین علیه السلام.

ثانیا: رؤساء أرباع الکوفة.

وهذا تابع من کون الکوفة هی فی أساس نشأتها وتکوینها کانت حاضنة للجند وثکنة عسکریة أو محطة تنظیم وتزوید للجیوش الإسلامیة التی کانت تنطلق باتجاه الشرق من أجل التوسع فی رقعة الدولة الإسلامیة.

ومن ثم فقد کانت فی عام 60 للهجرة مقسمة إلی أربعة أقسام بحسب أبناء المدن والعشائر التی انخرطت فی الفتوحات الإسلامیة، فکانت رؤساء الأربعاع هم:

1 . عبد الله بن زهیر بن سلیم الأزدی علی ربع أهل المدینة.

2 . عبد الرحمن بن أبی سبرة الحنفی علی ربع مذحج وأسد.

3 . قیس بن الأشعث علی ربع ربیعة وکندة.

ص: 116

4 . الحر بن یزید الریاحی علی ربع تمیم وهمدان.

وهؤلاء الرؤساء کانوا ضمن الجیش الذی خرج لقتال الإمام الحسین علیه السلام وقد اشترکوا فی القتال ما خلا الحر بن یزید الریاحی الذی التحق یوم العاشر بسید الشهداء علیه السلام واستشهد بین یدیه.

(لقد کان واضحاً بأن أساس النظام الإداری والعسکری وکذلک المالی فی الأمصار یرتکز علی العشیرة؛ فکانت العشیرة تشکل وحدة عسکریة فی الجیش الإسلامی، وکان أفرادها یقاتلون معا أثناء المعرکة، ولأسباب تنظیمیة وإداریة کانت الدولة تجمع عشائر متعددة متقاربة فی النسب ضمن وحدة أکبر یکون لها شیخ یختاره الخلیفة أو الوالی، وعلی هذا الأساس کانت الکوفة أرباعاً، أی أربعة أقسام قبلیة رئیسیة وکانت البصرة أخماساً وکذلک خراسان)(1).

فضلاً عن ذلک فإن البوادر الأولی للتجنید الإلزامی فی الدولة الإسلامیة وانحرافها عن خط القرآن والنبی صلی الله علیه وآله وسلم فی قیامها علی الجهاد لمن رغب فیه، کما ورد فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یخرج معنا إلا راغب فی الجهاد»(2).

فی حین یختلف أمر التعبئة القتالیة فی زمن عمر بن الخطاب فقد کتب إلی ولاته قائلاً:

ص: 117

(ولا تدعوا فی ربیعة ومضر ولا حلفائها أحداً من أهل النجدة ولا فارسا إلاّ جلبتموه فإن جاء طائعاً وإلا حشرتموه)(1).

ثم أعادها الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام إلی ما کانت علیه فی زمن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولکن سرعان ما تغیر الحال فی زمن معاویة إذ (أخذت عملیة التجنید تشغل الحیز الأکبر من سیاسة الأمویین، وقد أولی معاویة ابن أبی سفیان هذه العملیة اهتماماً خاصاً.

وقد أعانته قابلیته السیاسیة وخبرته فی المکر فی اختیار الولاة لإدارة الأمصار الإسلامیة کعمرو بن العاص، وزیاد بن أبیه، والمغیرة بن شعبة؛ ولکسب رجال القبائل العربیة الذین هم العمود الفقری للجیش، فقد استخدم مقدرته فی فهم عقلیات هؤلاء الرجال ثم نفذ من خلال ذلک وبما ملکه من مال إلی التحکم فیهم والسیطرة علیهم.

فأغراهم بالأموال والمناصب وقرب رؤساءهم سواء من القبائل الیمنیة أو القیسیة واستطاع أن یجند منهم أعداداً کبیرة فی الحملات البریة والبحریة.

وقد أظهرت هذه السیاسة أن عملیة تجنید المقاتلین ترتبط ارتباطاً وثیقاً بقوة الولاة وکفاءة تدابیرهم الإداریة والعسکریة.

فعندما تولی المغیرة بن شعبة الکوفة سنة 41ه_، ورأی تهاوناً فی حرب الناس الخوارج وتثاقلهم فی الخروج لقتالهم جهز جیشا قوامه ثلاثة آلاف رجل، وأمر أن یعلن فی الکوفة بأن کل من وجد من أفراد هذا الجیش فی المدینة بعد

ص: 118

یوم واحد تعرض لأشد العقوبة.

ویمکن اعتبار ولایة زیاد بن أبیه علی البصرة سنة 45ه_، هی البدایة الحقیقیة للتشدید فی عملیة التجنید واستنفار المقاتلین ومعاقبة المتخلفین لأن سیاسته القائمة علی الحزم وعدم التهاون مع المخالفین، لم تدع أحداً من الجند یجرؤ علی الإخلال بمکانه أو الهرب من الجیش لأن ذلک کان یعرضه لأشد العقوبات.

وقد أظهرت خطبته التی استهل بها ولایته علی البصرة مدی تصمیمه علی تنفیذ ذلک، ویبدو أنه نجح فیما صمم علیه؛ وفی ذلک یقول الطبری (وکان زیاد أول من شد أمر السلطان، وأکد الملک لمعاویة وألزم الناس الطاعة، وتقدم فی العقوبة، وجرد السیف، وأخذ بالظنة، وعاقب علی الشبهة، وخافه الناس فی سلطانه خوفاً شدیداً.

وکان من نتیجة هذه السیاسة أن ازداد عدد المقاتلة فی العراق خلال مدة ولایته فقد کان عدد المقاتلة فی البصرة حین قدم زیاد أربعین ألفا فأصبح عددهم ثمانین ألفاً کما أصبح مقاتلة الکوفة ستین ألفاً.

وقد شعر زیاد بن أبیه إنه لا یمکنه السیطرة علی الجند ولیس باستطاعته تهیئة قوات کبیرة قادرة علی إنجاز مهام القتال، إلاّ بإعادة تنظیم القبائل فی البصرة والکوفة لیضمن السیطرة علیها من الناحیة العسکریة فقسم قبائل البصرة إلی أخماس، علی کل خمس رجل وقسم قبائل الکوفة إلی أرباع بعد أن کانت مقسمة علی أسباع)(1).

ص: 119

وعلیه: فقد اتبع یزید بن معاویة ووالیه علی العراق التجنید الإلزامی فی قتالهم للإمام الحسین علیه السلام مع تقدیم العشائر والاستفادة منها.

ویکشف هذا التنظیم عن حجم القوات المقاتلة من جهة، ومن جهة أخری أنهم یدرکون أن الحسین وأهل بیته وأصحابه کانوا من الناحیة العسکریة یحتاجون إلی هذا العدد من المقاتلین والعدة وذلک للأسباب الآتیة:

جیم: أسباب إعلان التعبئة العامة لجیش السلطة فی قتالها للحسین وأصحابه وهم لم یتجاوزوا المئة وقد اقتضت هذه التدابیر السیاسیة التی أسس لها معاویة واعتمدها فی التعبئة العامة والتجنید الإلزامی إلی دراسة مکونات الخصم الذی عزم یزید بن معاویة وأمیر العراق علی قتله هو وأصحابه وأهل بیته علیهم السلام فکانت هناک مجموعة من الأسباب دفعتهم لهذه التعبئة وهی:

1 - أن السیاسة التی اتبعها یزید بن معاویة بن أبی سفیان فی الشام بلحاظ کونه رأس الهرم فی الدولة الأمویة آنذاک مع مستشاریه وکذا أمیر الکوفة والبصرة أو أمیر العراق عبید الله بن زیاد کانوا یدرکون أنهم یقاتلون رجلاً مرتبطاً بالسماء وأنه مؤیّد بالملائکة فهو مستجاب الدعوة فضلا عن یقینهم بأنه وصی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثالث أئمة العترة صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

وهذه العناوین تستدعی أن یجهز یزید بن معاویة وأمیر العراق جیشاً جراراً حالهم فی ذاک حال أسلافهم فی الأحزاب حینما قادها جده أبو سفیان بن حرب فی قتاله وحربه لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو یدرک آنذاک أنه یقاتل رجلاً مرتبطاً بالسماء ولذا أعد له ما استطاع من الجند.

ص: 120

وکذا الیوم یزید وعبید الله کانوا یدرکون من یقاتلون ومن ثم أرادوا الموازنة فی القوی العسکریة بین أن یکون الحسین علیه السلام مؤیّداً بالملائکة کما کان جده صلی الله علیه وآله وسلم فی بدر وغیرها، وأن یمده الله کما أمد جده من قبل بجنود من الملائکة مسومین، وبین إمکانیة أن تخضع لأمره القوی الطبیعیة کما کان حال موسی الکلیم علیه السلام أو سلیمان النبی علیه السلام، فهؤلاء کانوا مرتبطین بالله وقد أخضع الله لهم الطبیعة وغیر مستبعد أن یستخدم الإمام الحسین علیه السلام هذه القوی مما آتاه الله تعالی من فضله ومن ثم فهم لا یقاتلون بهذه الجیوش الجرارة سبعین رجلاً ونیفاً فقط؛ وإنما کان الأمر یتطلب تهیئة کل الإمکانیات لمواجهة الإمام الحسین علیه السلام المؤید بالسماء.

وقد أشار کثیر من الروایات إلی نزول الملائکة لکنها لم تحصل علی الإذن من حجة الله ووصی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد أبیه علی بن أبی طالب وأخیه الحسن المجتبی علیهم أفضل الصلاة والسلام فی القتال فهی الآن عند قبره علیه السلام.

2 - إن القیادة العلیا فی الشام والعراق کانوا یدرکون أن الرجل الواحد من أصحاب الحسین علیه السلام وأهل بیته یحتاج إلی ألف رجل لما یتحلی به من شجاعة وبأس وفروسیة فلو برز هؤلاء الألف بنظام المبارزة الفردیة، أی: واحداً تلو الآخر لما استطاعوا أن یقتلوا خصمهم.

وذلک أن نظام الحرب عند العرب کان یعتمد علی المبارزة الفردیة وغالباً

ص: 121

ما کانت تضطر العرب فی الالتحام والاقتحام؛ ولذا: کان أصحاب الحسین علیه السلام وأهل بیته یحتاجون إلی توازن عسکری یفی بتحقیق النصر.

3 - خوفاً من عنصر المفاجأة إلا علی المنظور الطبیعی وذلک من خلال التحاق مجامیع کبیرة من المسلمین بمعسکر الحسین علیه السلام أو قطع المدد الذی یحتمل أن یلحق بسید الشهداء علیه السلام سواء کانوا من المدینة أو مکة أو الیمن وغیرها، ولذا: کانوا یحذرون من وصول المدد لمعسکر الحسین علیه السلام، فجمعوا کل هذه الجیوش.

ص: 122

التجهیزات العسکریة فی الحضارة الآشوریة والسومریة، فکان هذا السلاح حاضراً وبشکل کبیر فی معرکة الطف فی مواجهتهم وقتالهم للحسین بن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه.

فضلاً: عن نوع السهام کالسهم المثلث الذی رماه حرملة بن کاهل فأصاب قلب الحسین صلوات الله علیه.

وعلیه: فإن التجهیزات العسکریة والآلات الحربیة التی حملها جیش الکوفة کانت متنوعة ومتعددة وجدیدة لم یعرفها العرب قبل الإسلام مما أعطی صورة عن حجم المعرکة وما وقع فیها من قتال عنیف ورعب وخوف علی قلوب الأطفال والنساء الذین خرج بهم الإمام الحسین علیه السلام لیقوموا بمرحلة جدیدة ومکملة لجهاده وحربه ضد الفساد.

ص: 123

وکانوا صنفین:

الأول: وهم المجففة، وهی الخیل التی تکون قد ألبست الدروع کی تقیها من السهام والرماح، کما یکون الفرسان الذین علی هذه الخیول مدرعین أیضاً ویستخدمون کنظام المدرعات العسکریة فی الوقت الحاضر لنقل الجند وتوفیر الحمایة لهم عند التقدم.

والثانی: المجردة، وهی التی لیس علیها درع ومجردة منه لتکون لها حریة الحرکة، وسنعرض استخدام عمر بن سعد لفرقة المجففة فی المعرکة.

ص: 124

ص: 125

والقاضب، والمخضل، والمهزم، والمطبق، والهذام، والسقاط، والصلیت، والخشیف، والتلوع، والقاصل، والهبار، والهذم، والخصم، والباتر، والرسوب، والقرصوب، والباتک، والسراط، والغرب، والهذهاذ، والنهیک، والخذم، والحذم، وذو الکریهة، والأبیض.

والملاحظ أن هذه السیوف تلتقی فی صفة الصلابة والقوة، فوصفوها بالقاطع مرة، والماضی والصارم والحاد مرة أخری)(1).

ویستخدم السیف کسلاح هجومی ودفاعی ینفذ المقاتل به عملیة القطع أو الطعن أو الاثنین معاً ولهذا الغرض فقد ظهرت السیوف لدی الإنسان العراقی فی وادی الرافدین منذ آلاف السنین کما ظهرت السیوف لدی الحضارات الإغریقیة والرومانیة والفارسیة مما أعطی هذا السلاح أهمیة کبیرة التصقت بالآلهة لدی تلک الحضارات.

وبما أن المعرکة قد جرت فی کربلاء وعلی أرض العراق وبقرب أرض بابل وحضاراتها فقد ظهر نوعان من السیوف فی المعرکة.

ص: 126

والثانی: ذو حدین.

والثانی أکثر انتشاراً من الأول لأنه یصلح للطعن والقطع معاً)(1).

(وتفید المصادر التاریخیة عن شیوع السیوف الکوفیة، ویطلق علیها البیض وهی التی طبعت فی الکوفة عند نشأتها، وهی المسماة (الزیدیة) طبعها زید فنسبت إلیه وهی سیوف قصار أعرض ما یکون منها ثلاثة أصابع إلا أن یکون قد وقع فی صدها وطولها ثلاثة أشبار وأربع أصابع، وسیلاناتها رقاق أعالیها أرق قلیلاً، وتمتاز بما فی سیلانها من ثقوب.

وتدل بعض الرسوم علی بعض القطع الأثریة أن السیف العراقی أو الکوفی کان مستقیما ومثالاً لذلک: سیفاً مستقیماً به واقیة الید من الحدید، ومقبضه مذهب، وعلی النصل اسم الخلیفة المعتصم بالله الذی حکم بین عامی 640 - 656ه_ / 1242 - 1258م، والسیف المذکور معروض الآن فی متحف (طابقسرای) أی فی استانبول)(2).

ص: 127

إن الفائدة من ابتکار التقوس هو الحصول علی قوة أعظم للقطع، ویحدد وظیفة السیف شکل نصله، سواء کان للطعن أو للقطع، إذ إن لکل منهما مزایا خاصة؛ ویلاحظ أن الشعوب التی کانت تفضل أسلوب القتال من علی ظهور الجیاد استعملت السیوف المقوسة، لأن السیف المستقیم الذی عادة یستعمل للطعن لیس من السهولة استعماله بصورة فعالة فی حالة عدو الجیاد السریع، فی حین أن السیف المقوس شبیه بالفأس أو البلطة؛ إذ إنه یقطع الجسم الذی یصطدم به، ولاسیما فی النقطة الواقعة فی نهایة التقوس؛ فضلاً عن سحب السیف المقوس بعد الضرب أسهل من السیف المستقیم)(1).

ص: 128

یوجد القصب والبردی فی حین لا یوجد هذا النوع من النبات فی مکة والمدینة أو بلاد الشام، ومن ثم اختلف الرمح من حیث الطول والقصر والرأس المصنوع للطعن أو للدفاع أو الهجوم، ولذلک عدّ الرمح من الأسلحة المهمة فی الاشتباک القریب.

(وقد استخدمه المشاة فی بلاد وادی الرافدین منذ عهود مبکرة وأصبح فی زمن الآشوریین أکثر شیوعاً وأهمیة من الأسلحة الأخری لهذا النوع من القتال، أی: الاشتباک القریب)(1).

ویمکن الوقوف علی أنواع الرماح العراقیة واختلافها عن الأخری التی کانت فی الحجاز من خلال الصفات التی امتاز بها الرمح العراقی فی طوله وقصره وشکل رأسه الذی یسمی بالسنان.

ص: 129

ص: 130

یسبب اندفاع السنان أکثر فی داخل القناة، وخاصة عندما یصطدم الرمح بشیء صلب عند الطعن فی حین أن السنان ذو تجویف یکون ثباته أکثر عند الطعن ولا تنفصل عنه القناة عند السحب)(1).

(ولقد فضل الآشوریون استخدام الرماح الطویلة، فی عهودهم المتأخرة لحاجتهم إلیها فی القتال فهی تؤمن لهم مسافة بعیدة أبعد، وحمایة أوفر من أسلحة خصوصهم لدی الاشتباک، ولاسیما عند محاولتهم اقتحام القلاع.

وأن استخدام الرمح الطویل، عند الاشتباک القریب، یحدد أو یبطل استخدام السیف هنا، أی إن الرماح الطویلة ضاعفت من فاعلیة القتال من علی ظهور الجیاد لطعن الأعداء المترجلین)(2).

أما ما توصلت إلیه الدراسات التاریخیة فی أنواع الرماح بعد الإسلام فقد أشارت إلی أن الرمح (کان یصنع من الخشب الزان ونحوه، وتسمی الدوابل، ودعیت بهذا الاسم لیبسها ولصوق قشرها، کما صنعت الرماح من الوشیج، وکان الصانع یعرض رمحه علی النار عند التثقیف حتی یصبح رمحاً مسنناً لینا، واتخذ من قرون الظباء والبقر والوخص أسنة للرمح.

ووضعوا للرماح أوصافاً وأسماء بالنسبة لطولها وقصرها، فإن کان الرمح طویلاً فهو (مطرح وسلب)، وهو من الأنواع المفضلة لدی الفرسان، لأنه ینوش خصومهم ویطال أجسادهم علی بعد، کما أنها تسعفهم فی حالة الضیق، وتنقذهم

ص: 131

وقت الأزمات، وإن کان متوسط الطول فهو: مطرد.

واستعمل العرب رماحاً صغیرة مثل (النیزک)، وهو أصغر الرماح ویستخدم فی حالة إدبار الخصم، ومثله فی هذه الصفة (المزراق)، و(المزج)، و(الخرص)، من الرماح القصیرة، یتخذ من خشب منحوت، أما الرمح القوی المنتصب الغلیظ والذی یصرع به فیسمی رمح (متل)، و(حادر).

کما وضعوا للرماح أوصافاً بالنسبة لاضطرابها ولدونها، فإذا کان الرمح مضطرباً فهو (عاثر) و(عاسل)، وإن کان شدید الاضطراب فهو (العراض) و(الرعاش) و(الخطل). وعرف نوع آخر بالزاغبی وهو إذا اهتز تدافع کله کأن آخره یجری فی مقدمته، أو هو الذی إذا هز اضطرب من أوله إلی آخره وإذا ما تقصد وتکسر فهو قصیر ورمح رفیض)(1).

ص: 132

أما السهم، والنبل، والنشاب، أسماء لشیء واحد، وهی خشبة تعمل فیها حزوز یرکب فیها الریش بأحد طرفیه، وفی الطرف الآخر یرکب نصل من حدید مدبب له سنتان فی عکس اتجاهه یجعلانه صعب الإخراج إذا نشب فی الجسم.

أما الریش فیعد من متممات السهم، وکانوا یختارون أفضل الریش وأحسنه ویرکب علی جانبی السهم ویسمی أیضاً (النطاس)، والغرض من إضافة الریش إلی السهم هو حفظ توازن السهم وعدم اضطرابه فی سیره عند رمیه إلی الهدف.

والریش عادة یؤخذ من النسر ویلزق بالشریحة وهی العقبة التی یلزق بها الریش، وکانوا یستخدمون للزق الریش نوعا من الفراء یسمونه الروقة والدمام وقد ذکر المؤرخون للسهام طائفة من الأسماء، فالقدم هو السهم قبل أن ینصل ویراش، فإذا ریش ورکب نصلة فیه صار نصلا، فإذا لم یکن کذلک فهو النضی، وهو الذی له ریش ولا نصل ویسمی کذلک المنجاب.

ومن أنواع النصال:

1 - المعبلة وهو العرمضی.

2 - الهقوباة نصل کالمعبلة عریض.

3 - المشقص وهی النصال الطویلة القلیلة العرض، ومثلها نوع یعرف بالسیجف.

4 - ومنها السریة والسردة، وهو النصل المدور المدلک ولا عرض له.

5 - القترة، وهو الصغیرة منها.

ص: 133

6 - الخطورة، وهو الذی قدره ذراع.

7 - المشقم، فهو سهم عریض النصل.

8 - المحراس، فهو سهم طویل القزذ.

9 - الاهزاع، فهو خیار الأسهام وأجودها یؤخره الرامی فلا یرمی به إلا عند الحاجة القصوی لاعتزازه به، أو لادخاره إلی وقت عصیب جداً.

10 - المرمی، وهو الذی ترمی به عدوک، ثم یرمیک به، وکان الرجل إذا رمی العدو بسهم فأصاب ثم رماه به العدو، وعلیه دم جعله فی کنانته بترکابه ویقال للمرمی السهم الذی یتعاوره الرماة بینهم.

11 - والحسبان سهام صغار تنماز بشدة تأثیرها فیها، وهی لا تمر بشیء إلا عقرته.

12 - الرهب، وهو السهم الرقیق.

13 - الغریق، وهو السهم الذی یکون تأثیره کبیرا ویحدث جرحا عمیقاً مفتوحاً وواسعاً.

14 - والمریخ، سهم طویل له أربعة قذذ ویمتاز بقوته ومضاء تأثیره ویصنع فی البصرة فی جنوب العراق)(1).

وهذه الأنواع من السهام کانت تستخدم فی حالة الهجوم والدفاع عند القتال وقد عرف العرب بقوة الرماة ودقة إصابتهم للهدف فضلاً عن جودة سهامهم وأقواسهم.

ص: 134

(فقد روی البلاذری عن أبی رجاء الفارسی قوله: حضرت وقعة القادسیة وأنا مجوسی، فلما رمتنا العرب بالنبل جعلنا نقول دوک دوک، نعنی مغازل، فما زالت تلک المغازل حتی أزالت أمرنا، لقد کان الرجل منا یرمی القوس (الناوکیة) فما یزید علی أن یتعلق بثوب أحدهم، ولقد کانت النبلة من نبالهم تهتک الدرع الحصنة والجوش المضاعف مما علینا)(1).

ولقد کشفت مجریات معرکة الطف الأثر الکبیر الذی أحدثته النبالة فی سیر المعرکة منذ اللحظات الأولی لابتداء المعرکة وإلی اللحظات الأخیرة لسقوط سید الشهداء علیه السلام حتی أصبح هذا السلاح هو الوحید الذی أصاب جمیع أفراد معسکر الإمام الحسین علیه السلام بما فیهم النساء والأطفال کما سیمر بیانه من خلال الدراسة.

فضلاً عن ذلک: فقد کشفت الروایات التاریخیة عن استخدام نوع جدید من السهام خلال هذه المعرکة لم تعهده العرب وهو السهم ذو ثلاث شعب والظاهر أنه صنع فی الکوفة قبل المعرکة لغرض أهداف محدودة، إذ لم یستخدم هذا السهم إلا عند خروج سید الشهداء الإمام الحسین علیه السلام.

فقد (رماه رجل بسهم محدد مسموم له ثلاث شعب) مما أحدث جرحاً واسعاً ومفتوحاً ومدوراً حتی وصفه المؤرخون بقولهم: (ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم کالمیزاب)(2).

ص: 135

ص: 136

کما أن المدی البعید لا یقلل کثیراً من القوة الضاربة وتسدید الهدف لدی المقاتل الذی یستخدم المقلاع ویتطلب من المقاتل عند الرمی بالمقلاع الحرص الشدید علی رفاقه کی لا یصابوا بأذی إذا ما أخطأ فی استخدامه، إذ إن تأثیره قوی وقاتل إذا ما ارتکب الخطأ من مسافة قصیرة.

وکان المقلاعیون یحملون معهم من القذائف الحجارة المدورة أو الحصی الکروی أو من المعدن، وقد یصل عددها لخمس عشرة قذیفة أو أکثر)(1).

ویعد المقلاعیون کفرقة من فرق الجیش الکوفی فی معرکة الطف حالها فی ذاک حال الرماة أو النبالة، وهؤلاء أی المقلاعیون یکونون عادة خلف الرماة، وقد أشارت النصوص إلی وجودهم فی معرکة الطف کالآتی:

1 - حینما أکثر أصحاب الحسین علیه السلام القتل فی أهل الکوفة عند المبارزة، فما خرج إلیهم أحد إلا قتلوه، فصاح عمرو بن الحجاج - قائد میمنة جیش الکوفة - بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستمیتین لا یبرز إلیهم أحد منکم إلا قتلوه علی قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم!)(2).

2 - حینما خرج نافع بن هلال الجملی المذحجی یقاتل جیش الکوفة (فأحاطوا به یرمونه بالحجارة والنصال حتی کسروا عضدیه وأخذوه أسیراً....)(3).

ص: 137

3 - حینما خرج من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام عابس بن شبیب الشاکری لقتال أهل الکوفة ومشی نحو القوم مصلتاً سیفه وبه ضربة علی جبینه فنادی: (ألا رجل فاحجموا عنه فأنهم عرفوه أشجع الناس، فصاح عمر بن سعد: (أرضخوه بالحجارة) فرمی بالحجارة من کل جانب؛ فلما رأی ذلک ألقی درعه ومقفره وشد علی الناس وإنه لیطرد أکثر من مائتین....)(1).

4 - لما خرج الإمام الحسین علیه السلام یقاتل أعداء الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم، (ولما ضعف عن القتال وقف یستریح فرماه رجل بحجر علی جبهته فسال الدم علی وجهه....)(2).

ص: 138

ص: 139

ص: 140

بصلابتها وجودة صنعها وإحکام الصنعة.

تصنع التروس من مواد مختلفة کاللباد والجلود وبعضها الآخر مصنوع من الخشب، وقد صنع العربی ترسه من خشب الجوز وهو الموصوف عندهم بالصلابة والقوة کما صنعه من اللباد، واللباد سمکة فی البحر تتخذ من جلودها الترسة فلا یحبک فیها شیء، أو تتخذ من جلود لیس فیها خشب ولا عقب تسمی حجفة ودرقة، والحجف تروس من جلود الإبل مقورة أو تتخذ من جلود ثور؛ ویسمی هذا النوع من التروس ب_(رماحل).

ویقال للتروس المصنوعة من جلود البقر ذو بقر، والمجن: الترس لأنه یستجن به؛ ویقال للترس أیضاً الغرض کما عرف لدیهم نوع یقال له المخبأ، وهو ترس یتخذونه من جلود الإبل)(1).

ص: 141

ص: 142

فمن المعروف أن الحدید أو الفولاذ الذی تصنع منه البیضة یعطی بعد صقله لمعاناً وبیاضاً، ویکون شکلها مستدیراً لها مقدم یقال له (القونس) وقیل أعلاها، والقونس فی البیضة سنبکتها الذی فوق جمجمتها وهی الحدیدة الطویلة فی أعلاها والجمجمة ظهر البیضة.

قال حسیل بن سجیح الضبّی:

وأرهبت أولی القوم حتی تنهنهوا

کما ذُدْتُ یوم الورد هیما خوامسا

بمطردٍ لدنٍ صحاحٍ کعوبُةُ

وذی رونق عضبٍ یقد القوانسا

ویبدو أن فائدة القونس فی البیضة هی لصد السیف عن الرأس إذا أصابها؛ وتشیر النصوص التاریخیة إلی أن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم یوم أحد کان علیه درعان ومغفر وبیضة.

وذکر الواقدی: أن أمیة بن حذیفة بن المغیرة قد أقبل یوم أحد وهو مدرع مقنع بالحدید لا یری منه إلا عیناه... قال أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام:

«صمدت له فضربته بالسیف علی هامته وعلیه بیضة وتحت البیضة مغفر فنبا سیفی»(1).

وهذه النصوص تکشف عن قدم هذا النوع من الألبسة العسکریة المستخدمة لحمایة رأس المقاتل فی أثناء الحرب؛ کما تلبس البیضة لمفردها ومع العمامة، ولعل فائدة العمامة هنا هو تثبیت البیضة علی الرأس مخافة سقوطها وبخاصة فی أثناء المعارک.

ص: 143

ص: 144

وقیل حلق یتقنع به المتسلح، وقیل: المغفر حلق مثل القلنسوة غیر أنها أوسع یلبسها الرجل علی رأسه فتبلغ الدرع ثم یلبس البیضة فوقها فذلک المغفر یرتل علی العاتقین وربما جعل المغفر من دیباج وخز أسفل البیضة.

وتشیر الروایات التاریخیة إلی أن المغفر کان من الملابس الحربیة المهمة وقد استخدم بأشکال متعددة، فبالإضافة إلی غرضه الرئیس فی حمایة رأس المقاتل فقد اتخذه العرب وسیلة من وسائل التقنع والتستر وحمایة وجه المقاتل)(1).

ص: 145

ص: 146

عادة صاحبها أن یلبس فی وسطه نطاقاً من جلد لیجمع ذیلها وفضولها فیغرزها عنه عند العمل.

ص: 147

1 - الدلاص.

2 - الماذیة.

3 - الجازینة.

4 - الزغیف.

ص: 148

المنسوجة حلقتین.

کما ورد فی القرآن الکریم ذکر نوع من الدروع یقال لها السرابیل، وصفت بالقوة والبأس قال تعالی فی تنزیله العزیز:

((...وَسَرَابِیلَ تَقِیکُمْ بَأسَکُمْ...))(1).

ومثلها فی القوة والبأس النقیذة التی قال عنها المؤرخون دون أن یعطوا عنها شیئاً.

ومن أنواع الدروع نوع یعرف بالجوشن وهی ألواح صغار من الحدید أو القرن ومنهم من یعتبر الجوشن بأنه درع بهیئة ثوب ینسج من حلقات حدیدیة رقیقة تشبه فی نسجها إلی حد ما الشبکة.

وهناک نوع آخر من الدروع تعرف باللبوس وقد ذکر الله فضلها فی الحرب فقال عن داود:

((وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُمْ مِنْ بَأسِکُمْ...))(2).

واللامة وهی درع ملتئمة الصنعة وجمعها لؤم واستلام لامته وتلأمها لبسها وجاء ملأما علیه لامة وقال بعضهم اللامة الدرع الحصینة سمیت لامة لاحکامها وجودة حلقها)(3).

فضلاً عن ذلک فقد ورد فی المصادر التاریخیة أن العرب اتخذت کذلک

ص: 149

دروعاً للخیل لاسیما فی دولة بنی العباس فکانت درع الفرس متدلیاً إلی الأطراف وکذلک رأس الفرس وقوائمه ومؤخرته والذیل.

ص: 150

وقد ذکر ابن شهر آشوب فی المناقب: (أن الإمام الحسین علیه السلام طلب أن یأتوه بثوب لا یرغب فیه یلبسه غیر ثیابه کی لا یجرد فإنه مقتول مسلوب؛ فأتوه بتبان، فأبی أن یلبسه وقال: هذا لباس أهل الذمة، ثم أتوه بشیء أوسع منه دون السراویل وفوق التبان فلبسه؛ ثم ودع النساء)(1).

ص: 151

وأهل بیته علیهم السلام مما تطلب من یزید وعبید الله بن زیاد الاستعداد لهذه المعرکة فأرسلوا أکثر من ثلاثین ألفاً وجهزوهم بمختلف التجهیزات العسکریة، کما فعل فرعون حینما أراد مواجهة موسی علیه السلام ولأنه، أی فرعون یدرک بأنه یواجه رجلاً واحداً لکنه مرتبط بالله تعالی وأنه مؤید بالملائکة والقوی الطبیعیة التی سخرها الله تعالی وجعل أمرها إلیه فی هذه المواجهة فقد تطلب من فرعون أن یبعث فی المدائن لیجمع کل سحرة مصر لهذه المواجهة المصیریة بین قوی السماء المتمثلة فی نصر رجل واحد وهو نبی الله موسی علیه السلام وبین قوی الأرض الممثلة آنذاک بالسحرة وجیش فرعون.

وکذا کان الهدف من کل هذا الجمع من المقاتلین والجند لملاقاة الإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام.

فکانت النتیجة أن الله تعالی شاء أن یکون النصر لدینه وشریعته باستشهاد الحسین وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام.

فسبحان من هو اللطیف الخبیر بعباده.

ص: 152

ص: 153

ص: 154

ص: 155

لا شک أن دراسة الأهداف التی اجتمع للقتال من أجلها طرفا المعرکة فی ساحة الطف کانت عقدیة ترتکز علی مجموعة من المعطیات الفکریة التی کونت لدی کل فریق عقیدة مختلفة مع وجود مصدر واحد لکل العقیدتین وهو الإسلام.

ولیس غریباً علی الباحث أو القارئ ما یشهده الیوم من أطاریح فکریة وعقدیة ترجع فی فهمها ومعطیاتها إلی الإسلام إلی المستوی الذی لم یبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه کما أخبر بذلک النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم.

ولأن معرکة الطف کانت ترتکز علی محور عقائدی فقد ظهرت بهذه الدمویة حالها فی ذاک حال جمیع المعارک التی یتقابل فیها الطرفان وهما یتقاتلان بهدف عقائدی؛ إلاّ أن الفارق بین دمویة معرکة الطف وغیرها هو أنها المعرکة الوحیدة علی الأرض التی اجتمعت الأمة فیها علی قتل أهل بیت نبیّها بهذه الکیفیة.

وهی حقیقة نص علیها الإمام الحسن المجتبی علیه السلام حینما حضرته الوفاة وعنده أخوه الإمام الحسین علیه السلام فقال له:

ص: 156

«لا یوم کیومک یا أبا عبد الله، یزدلف إلیک ثلاثون ألف رجل یدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وینتحلون دین الإسلام، فیجتمعون علی قتلک وسفک دمک، وانتهاک حرمتک وسبی ذراریک ونسائک وانتهاب ثقلک، فعندها تحل ببنی أمیة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودما، ویبکی علیک کل شیء من الوحوش فی الفلوات والحیتان فی البحار»(1).

فضلاً عن ذلک فقد شهدت المعرکة قبل احتدام المعسکرین واشتباکهم وقتالهم وفی أثناء الحرب شواهد کثیرة تکشف عن الاختلاف فی العقیدتین وسعی کل طرف إلی بیان هذه العقیدة وأن النصر سیکون فی النهایة لأصحاب العقیدة الصحیحة، أی التی علی دین الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

وذلک أن الله ینصر من ینصره.

ولأن الهدف عقدی فإن معطیات النصر ومفهومه اختلف أیضاً کما هو الحال فی معرکة أحد فالنصر عند المشرکین مفهومه ومعناه قتل المسلمین والتمثیل بجثثهم، وإعلاء الوثنیة.

والنصر فی مفهوم النبوة هو من عند الله تعالی وبالکیفیة التی یریدها سبحانه سواء کان عسکریاً کما فی معرکة بدر، أو بالتضحیات کما فی أحد، أو فی الرعب کما فی الأحزاب، أو بالعدد والکثرة کما فی فتح مکة.

وکذا الحال فی معرکة الطف فإن النصر اختلف، وآلیة تحقیقه اختلفت

ص: 157

أیضاً؛ وذلک لارتکازها علی معطیات عقدیة.

وعلیه:

فإن أولی الاستراتیجیات الحربیة التی استخدمها الإمام الحسین علیه السلام فی معرکة الطف هی الحرب العقائدیة التی أظهر فیها ومن خلال المحاورة مع جیش الکوفة بطلان عقیدة جیش السلطة وفسادها وسوء عاقبة من یعتقد بها فی الدنیا والآخرة، فکانت هذه الإستراتیجیة قد حققت بلوغ الهدف فضلاً عن تحقیق جملة من الأمور:

1 - أداء وظیفته الشرعیة فی إمامته للمسلمین، وهذا یقتضی البیان منه؛ وحاله فی ذاک حال جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم فکان یتأسّی به فی هدایة الناس وبیان ما اختلط علیهم من الأفکار وإظهار السلیم منها والسقیم منطلقاً فی ذاک من الإمامة التی هی تبع لوظیفة النبوة فی هدایة الناس، فقال سبحانه:

((...وَأَنْزَلْنَا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ))(1).

فکان العمل الأول أن بیّن للناس بأنه إمام مفترض الطاعة.

2 - قطع الطریق علی المتعذر بعدم معرفته بشخص الحسین علیه السلام وصلة قرابته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأن حرمته من حرمة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وحرمة الله تعالی وأن حربه حرب لله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم وهذا لمن لا یعتقد بإمامته.

ص: 158

3 - إن عقیدتهم فاسدة وعاقبتها سیئة فی الدنیا والآخرة وأنهم بعزمهم علی قتله فهم من أهل النار وقد استحقوا العذاب واللعن.

وهذه العقیدة والمعطیات الفکریة وعملیة إیصالها إلی الخصم وتأثره بها تسمی الیوم بإستراتیجیة التضاد.

وهی إحدی استراتیجیات الحرب وواحدة من وسائل الهجوم غیر المباشر فی أرض المعرکة.

لکن الإمام الحسین علیه السلام قبل دخوله الحرب العسکریة وما تحتاج إلیه من استراتیجیات لتحقیق هدفه من المعرکة وهو الإصلاح فی أمة جده، فقد بدأ بتنفیذ أولی استراتیجیاته فی المواجهة العسکریة، وهی إستراتیجیة الهجوم المضاد، فما هی هذه الإستراتیجیة، وما فرقها عن إستراتیجیة التضاد التی سبق وأشرنا إلیها؟

ص: 159

فقال الحسین علیه السلام:

«من هذا؟ کأنه شمر بن ذی الجوشن».

فقالوا: نعم، فقال له:

«یا بن راعیة المعزی أنت أولی بها صلیاً».

ورام مسلم بن عوسجة أن یرمیه بسهم فمنعه الحسین علیه السلام من ذلک، فقال: دعنی حتی أرمیه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارین، وقد أمکن الله منه.

فقال له الحسین علیه السلام:

«لا ترمِهِ، فإنی أکره أن ابدأهم بقتال»(1).

وهذا الموقف من الإمام الحسین علیه السلام یکشف عن استخدامه إستراتیجیة الهجوم المضاد، أی إنه علیه السلام تجنب التعرض بالمبادرة إلی الهجوم وذلک أنها تقود فی أغلب الأحیان إلی الضرر، فضلاً عن ذلک فإن البدء بالقتال یؤدی إلی کشف إستراتیجیته المعتمدة فی القتال ومن ثم إعطاء الفرصة للعدو فی تحدید نقاط الضعف واستغلال عنصر المفاجأة.

وهنا: استفاد الإمام الحسین علیه السلام من معرفة إستراتیجیة عدوه فی القتال أولاً؛ وذلک لأنهم بدأوا بالقتال، فضلاً عن الجنبة الشرعیة فی تحمیل القوم جریمة الاعتداء علیه وما یتبع ذلک من عقوبة إلهیة قبل العقوبة الدنیویة.

ص: 160

ولذا:

تفید الدراسات بأن هذه الإستراتیجیة، إستراتیجیة الهجوم المضاد، أی ترک العدو لیبدأ القتال تؤدی إلی (منح المرونة لکی تقوم بهجوم مضاد من أی زاویة)(1).

ص: 161

مِنْ نَارٍ یُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِیمُ))(1).

فقال علیه السلام:

«نحن وبنو أمیة اختصمنا فی الله عزّ وجل قلنا صدق الله وقالوا کذب الله، فنحن وهم الخصمان یوم القیامة»(2).

إذن:

التخاصم فی التوحید کما نصت الآیة ((...اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ...))، ولذا فهی من أعقد المعارک العقائدیة، بل تتفرد فی ذلک من حیث مکوناتها ورموزها ومجریاتها مما تطلب جهداً خاصاً وحکمة بالغة فی إظهار فساد عقیدة الخصم کی یأمن الناس من الوقوع فی هذه العقیدة فیخسروا الدنیا والآخرة.

ولذا:

یقوم الإمام الحسین علیه السلام، ومن خلال خطبته فی جیش الکوفة بدفع العدو إلی الإقرار بعدوانیته والهدف الأساس فی حربه له.

وعرفت هذه الطریقة فی الدراسات الإستراتیجیة ب_(إستراتیجیة التضاد)(3).

وتتحدد فائدة هذه الإستراتیجیة فیما یلی:

1 - إخراج العدو من مخبئه.

ص: 162

2 - القتال بفعالیة، بفعل تحدید العدو فلا یبقی مجال للشک یدفع المقاتلین إلی التهاون أو خوض الحرب علی أمل حصول السلم أو المصالحة فکشف عدوانیة الخصم وإصراره علی القتل تقطع الشک وترفع حال الیقین بضرورة القتال بضراوة إذ الأمر إما موت أو حیاة.

3 - إن العدو هو أول من یشحنک بالهدف والاتجاه، حاله فی ذاک حال قطبی المغناطیس.

وهذا ما تم کشفه من خلال مخاطبة الإمام الحسین علیه السلام لهم مع بعض أصحابه کبریر بن خضیر، وزهیر بن القین، والحر بن یزید الریاحی بعد انکشاف الحقائق له وتمییزه بین الحق والباطل فکانت عملیة انسحابه من جیش الکوفة والتحاقه بالإمام الحسین علیه السلام أولی ثمار هذه الحرب الفکریة والعقدیة فی یوم عاشوراء، وأولی ثمار تحقق هدف الإمام الحسین علیه السلام وهو الإصلاح.

وعلیه:

لم تشهد معرکة من المعارک فی الإسلام کل هذا العدد من الخطب العقدیة والفکریة قبل اشتباک الجند مما جعلها المعرکة الوحیدة التی سلکت إستراتیجیة تجنید الفکر قبل الاشتباک فی المعرکة العسکریة وذلک من خلال هذه المعطیات الفکریة والعقدیة التی حملتها الخطب.

فکانت کالآتی:

ص: 163

ص: 164

أیّها الناس إن الله تعالی خلق الدنیا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرته والشقی من فتنته فلا تغرنکم هذه الدنیا فإنها تقطع رجاء من رکن إلیها وتخیب طمع من طمع فیها وأراکم قد اجتمعتم علی أمر قد أسخطتم الله فیه علیکم وأعرض بوجهه الکریم عنکم وأحل بکم نقمته فنعم الرب ربنا وبئس العبید أنتم أقررتم بالطاعة وآمنت بالرسول محمد صلی الله علیه وآله وسلم، ثم إنکم زحفتم علی ذریته وعترته تریدون قتلهم لقد استحوذ علیکم الشیطان فأنساکم ذکر الله العظیم فتباً لکم ولما تریدون إنا لله وإنا إلیه راجعون هؤلاء قوم کفروا بعد إیمانهم فبعداً للقوم الظالمین.

أیها الناس أنسبونی من أنا ثم ارجعوا إلی أنفسکم وعاتبوها وانظروا هل یحل لکم قتلی وانتهاک حرمتی ألست ابن بنت نبیکم وابن وصیّه وابن عمه وأول المؤمنین بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أولیس حمزة سید الشهداء عم أبی؟ أو لیس جعفر الطیار عمی، أو لم یبلغکم قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لی وأخی: هذان سیدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتمونی بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت الکذب منذ علمت أن الله یمقت علیه أهله ویضر به من اختلقه وإن کذبتمونی فإن فیکم من إن سألتموه عن ذلک أخبرکم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاری وأبا سعید الخدری وسهل بن سعد الساعدی وزید بن أرقم وأنس بن مالک یخبروکم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لی ولأخی، أما فی هذا حاجز لکم عن سفک دمی؟!».

فقال الشمر: هو یعبد الله علی حرف إن کان یدری ما یقول!

ص: 165

فقال له حبیب بن مظاهر: والله إنی أراک تعبد الله علی سبعین حرفاً وأنا أشهد أنک صادق ما تدری ما یقول قد طبع الله علی قلبک! ثم قال الحسین علیه السلام:

«فإن کنتم فی شک من هذا القول أفتشکون أنی ابن بنت نبیکم، فو الله ما بین المشرق والمغرب ابن بنت نبی غیری فیکم ولا فی غیرکم، ویحکم أتطلبونی بقتیل منکم قتلته! أو مال لکم استهلکته أو بقصاص جراحة، فأخذوا لا یکلمونه!».

فنادی:

«یا شبث بن ربعی، ویا حجار بن أبجر، ویا قیس بن الأشعث، ویا زید بن الحارث، ألم تکتبوا إلیّ أن أقدم قد أینعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم علی جند لک مجندّة؟».

فقالوا: لم نفعل، قال - علیه السلام -:

«سبحان الله! بلی والله لقد فعلتم».

ثم قال:

«أیها الناس إذا کرهتمونی فدعونی أنصرف عنکم إلی مأمن من الأرض».

فقال له قیس بن الأشعث: أولا تنزل علی حکم بنی عمک؟ فإنهم لن یروک إلا ما تحب ولن یصل إلیک منهم مکروه، فقال الحسین علیه السلام:

«أنت أخو أخیک؟ أترید أن یطلبک بنو هاشم أکثر من دم مسلم بن عقیل؟ لا والله لا أعطیهم بیدی إعطاء الذلیل ولا أفر فرار العبید عباد الله إنی

ص: 166

عذت بربی وربکم أن ترجمون، أعوذ بربی وربکم من کل متکبر لا یؤمن بیوم الحساب».

ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها)(1).

ص: 167

عبید الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الکتاب ومحرفی الکلم وعصبة الاثم ونفثة الشیطان ومطفئی السنن! ویحکم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون! أجل والله غدر فیکم قدیم وشجت علیه أصولکم وتأزرت فروعکم فکنتم أخبث ثمرة، شجی للناظر وأکلة للغاصب!

ألا وإنّ الدعی ابن الدعی قد رکز بین اثنتین بین السلة والذلة وهیهات منا الذلة یأبی الله لنا ذلک ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمیة ونفوس أبیة من أن نؤثر طاعة اللئام علی مصارع الکرام، ألا وإنی زاحف بهذه الأسرة علی قلة العدد وخذلان الناصر»)(1).

ص: 168

(یا قوم إن ثقل محمد قد أصبح بین أظهرکم وهؤلاء ذریته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندکم وما الذی تریدون أن تصنعوه بهم).

فقالوا: نرید أن نمکن منهم الأمیر عبید الله بن زیاد فیری فیهم رأیه، قال:

(أفلا تقبلون منهم أن یرجعوا إلی المکان الذی جاؤوا منه ویلکم یا أهل الکوفة أنسیتم کتبکم وعهودکم التی أعطیتموها وأشهدتم الله علیها وعلیکم؟ أدعوتم أهل بیت نبیکم وزعمتم أنکم تقتلون أنفسکم دونهم حتی إذا أتوکم أسلمتموهم إلی ابن زیاد وحلأتموهم عن ماء الفرات بئسما خلفتم نبیکم فی ذریته! ما لکم لا سقاکم الله یوم القیامة فبئس القوم أنتم!).

فقال له نفر منهم: یا هذا ما ندری ما تقول! قال:

(الحمد لله الذی زادنی فیکم بصیرة، اللهم إنی أبرأ إلیک من فعال هؤلاء القوم اللهم ألق بأسهم بینهم حتی یلقوک وأنت علیهم غضبان).

فجعل القوم یرمونه بالسهام فتقهقر)(1).

ص: 169

وإیاکم بذریة نبیه محمد صلی الله علیه وآله وسلم لینظر ما نحن وأنتم عاملون.

إنا ندعوکم إلی نصرهم وخذلان الطاغیة یزید وعبید الله بن زیاد فإنکم لا تدرکون منهما إلا سوء عمل سلطانهما یسملان أعینکم ویقطعان أیدیکم وأرجلکم ویمثلان بکم ویرفعانکم علی جذوع النخل ویقتلان أماثلکم وقراءکم أمثال حجر بن عدی وأصحابه وهانی بن عروة وأشباهه، فسبوه وأثنوا علی عبید الله بن زیاد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتی نقتل صاحبکم ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلی عبید الله بن زیاد سلماً.

فقال زهیر: عباد الله إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمیة فإن لم تنصروهم فأعیذکم بالله أن تقتلوهم فخلوا بین هذا الرجل وبین یزید فلعمری إنه لیرضی من طاعتکم بدون قتل الحسین علیه السلام.

فرماه الشمر بسهم وقال: اسکت أسکت الله نأمتک أبرمتنا بکثرة کلامک.

فقال زهیر: یا ابن البوال علی عقبیه ما إیاک أخاطب إنما أنت بهیمة والله ما أظنک تحکم من کتاب الله آیتین فأبشر بالخزی یوم القیامة والعذاب الألیم.

فقال الشمر: إن الله قاتلک وصاحبک عن ساعة.

فقال زهیر: أفبالموت تخوفنی؟ فو الله للموت معه أحب إلیّ من الخلد معکم، ثم أقبل علی القوم رافعاً صوته وقال:

عباد الله لا یغرنکم عن دینکم هذا الجلف الجافی وأشباهه فو الله لا تنال شفاعة محمد صلی الله علیه وآله وسلم قوماً هرقوا دماء ذریته وأهل بیته وقتلوا من نصرهم وذب عن حریمهم.

ص: 170

فناداه رجل من أصحابه إن أبا عبد الله یقول لک:

أقبل فلعمری لئن کان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ فی الدعاء فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ)(1).

ص: 171

إلیهم وجعجع بهم فی هذا المکان علی غیر ماء ولا کلأ رافعاً صوته:

(اللهم إلیک أنیب فتب علیّ، فقد أرعبت قلوب أولیائک وأولیاء نبیک! یا أبا عبد الله إنی تائب فهل لی من توبة).

فقال الحسین علیه السلام:

«نعم یتوب الله علیک».

فسره قوله، وتیقن الحیاة الأبدیة والنعیم الدائم ووضح له قول الهاتف لما خرج من الکوفة فحدّث الحسین علیه السلام بحدیث قال فیه: لما خرجت من الکوفة نودیت أبشر یا حر بالجنة، فقلت ویل للحر یبشر بالجنة وهو یسیر إلی حرب ابن بنت رسول الله.

فقال له الحسین علیه السلام:

«لقد أصبت خیراً وأجراً».

ثم استأذن الحسین - علیه السلام - فی أن یکلّم القوم فأذن له فنادی بأعلی صوته:

(یا أهل الکوفة لأمکم الهبل والعبر إذ دعوتموه وأخذتم بکظمه وأحطتم به من کل جانب فمنعتموه التوجه إلی بلاد الله العریضة حتی یأمن وأهل بیته وأصبح کالأسیر فی أیدیکم لا یملک لنفسه نفعاً ولا ضراً وحلأتموه ونساءه وصبیته وصحبه عن ماء الفرات الجاری الذی یشربه الیهود والنصاری والمجوس وتمرغ فیه خنازیر السواد وکلابه! وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمداً فی ذریته لا سقاکم الله یوم الظمأ).

ص: 172

فحملت علیه رجالة ترمیه بالنبل، فتقهقر حتی وقف أمام الحسین علیه السلام)(1)) (2).

وهذه الخطب التی ألقیت من الإمام الحسین (علیه الصلاة السلام) وأصحابه سلام الله علیهم تکشف عن جملة من الأمور:

1 - لم یرد فی تاریخ المعارک أن یکون هناک هذا الکم من الخطب قبل البدء فی المعرکة مما یؤکد أن الحرب کانت عقائدیة، ولذا بدأت أولاً ببیان حقیقة هذه العقیدة وفسادها من خلال مخاطبة العقل فإن لم تفلح هذه المخاطبة لزم الدخول فی المعرکة العسکریة لتکون عسکرة الناس وقتالهم وسیلة للحرب الأساس، أی حرب التوحید والوثنیة وأداة من أدوات هذه الحرب.

ولذلک: لم یشهد التاریخ الإسلامی هذا الکم من الخطاب العقلی قبل خطاب الأیدی والأسنة والرماح إلاّ فی معارک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو معارک الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.

2 - تکشف هذه الخطبة والخطبة الثانیة التی ألقاها الإمام الحسین علیه السلام بأهل الکوفة، بعد أن أخذ مصحفاً ونشره علی رأسه، ثم خاطبهم عن تکوین عوامل الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة وأن هذه

ص: 173

المعطیات الفکریة والعوامل الاجتماعیة لو طبقت علی أی مجتمع آخر لأثمرت لنا مجتمعاً مطابقاً لمجتمع الکوفة الفکری والعقدی فیندفع إلی قتل الآخر ولو بمکانة الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(1).

3 - إنّ هذا المنهج الذی اعتمده الإمام الحسین علیه السلام فی حربه مع خصمه أعطی الحسم لهذه الحرب قبل أن تقع المعرکة القتالیة علی أرض کربلاء وذلک أن التاریخ قدم لکل قارئ أو سامع حواراً فکریاً وعقدیاً ووجدانیاً وإنسانیاً فی عاشوراء ومن ثم لا یجد الإنسان السوی سوی الانجذاب لعقیدة الإمام الحسین علیه السلام والتمسک بها ونبذ عقیدة الآخر والتبرؤ منها؛ فهی بذاک أصبحت معرکة فکریة قبل أن تکون بدنیة سفکت علی أثرها الدماء.

4 - قد ینقاد الإنسان بفعل الموروث النشأوی والأسری إلی مجموعة من الرموز الإسلامیة ویتمسک بها ولن یستطیع - بفعل هذا الموروث - من إخراجها من الرمزیة التی اتخذها لنفسه لکنه حینما یقرأ هذا الحوار وما آلت إلیه عقیدة مَن اتخذوا تلک الرموز عنواناً لحرکتهم وقتلهم سید شباب أهل الجنة؛ الحیرة فی بقاء تلک الثوابت والرمزیة فی رسم هویته وانتماءه أیکون فی زمرة أولئک القتلة الظالمین أم یقف - علی الأقل وأمام ضمیره - بجانب أولئک المظلوم، وهذا الشعور بحد ذاته انجاز حققته عاشوراء الحسین علیه السلام.

أی: إن لم تنجح الحرب علی المستوی الفکری والعقائدی والأخلاقی فقد کسبتها علی المستوی الوجدانی والعاطفی والفطری.

ص: 174

من هنا: حینما وجد عمر بن سعد أمیر الجیش، وقادته، ورؤساء الأرباع علی أهل الکوفة، وزعماء العشائر، أنهم قد خسروا الحرب عقائدیاً وفکریاً وسیاسیاً واجتماعیاً فی هذه الحرب، بل وعلی مر العصور حینما تطلع الأجیال علی هذه التفاصیل.

ولذا: وجد هؤلاء القادة أنهم الخاسر الأکبر، وذلک أنهم خسروا الدنیا بانکشاف فساد عقیدتهم وفساد ضمائرهم وخسروا الآخرة وذلک أنهم کانوا ینادون بنصرة التوحید والإسلام فکیف بهم وهم یشاهدون - وقبل البدء بالقتال - الآثار الغیبیة والمدد الإلهی لنصرة ولیه وحجته علی خلقه فقد توالت الکرامات فی سرعة استجابة الله تعالی لدعاء الإمام الحسین علیه السلام حینما دعا علی بعض عناصر الجیش فأهلکهم الله تعالی فی الحال، وهم:

ص: 175

معلقاً بالرکاب وأخذت الفرس تضرب به کل حجر وشجر، وألقته فی النار المشتعلة فی الخندق فاحترق بها ومات(1)؛ فخر الحسین علیه السلام ساجداً شاکراً حامداً علی إجابة دعائه، ثم أنه رفع صوته یقول:

«اللهم إنّا أهل بیت نبیک وذریته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا إنک سمیع قریب».

قال مسروق بن وائل الحضرمی کنت فی أول الخیل التی تقدمت لحرب الحسین لعلّی أصیب رأس الحسین فأحظی به عند ابن زیاد فلما رأیت ما صنع بابن حوزة عرفت أن لأهل هذا البیت حرمة ومنزلة عند الله وترکت الناس وقلت: لا أقاتلهم ابدأ فأکون من أهل النار(2).

ص: 176

فی هذا الیوم ذلاً عاجلاً».

فاستجاب الله دعاءه فخرج محمد بن الأشعث من المعسکر ونزل عن فرسه لحاجته وإذا بعقرب أسود یضربه ضربة ترکته متلوثاً فی ثیابه، ومات بادی العورة)(1).

إذن:

کانت هذه الخطب التی ألقیت فی هذه الحرب وقبل البدء فی القتال ضمن إستراتیجیة التضاد قد حققت أهدافها فی إخراج العدو من مخبئه؛ وإن القتال سیکون بفعالیة، فقد تم تشخیص العدو؛ ومن ثم فإن هذا العدو هو من یشحنک بالهدف والاتجاه فکان الهدف التوحید، وکان الاتجاه أمة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

ص: 177

بمعنی: إن کان الإمام الحسین علیه السلام قد ربح الحرب فلن یسمح عمر بن سعد أن یخسر المعرکة، وهذا التحرک تصفه الدراسات العسکریة والإستراتیجیة ب_(الإستراتیجیة الشاملة) وهی التی ظهرت فی منهج الإمام الحسین علیه السلام فی حربه مع خصمه، إذ تقول الدراسات حول هذه الإستراتیجیة: (أخسر المعارک ولکن أربح الحرب)؛ وذلک أن الإستراتیجیة الشاملة، هی فن النظر أبعد من ساحة المعرکة والقیام بالحسابات المسبقة.

وهی تستلزم أن ترکّز علی هدفک الأساسی وتخطط للوصول إلیه، دع الآخرین ینشغلون فی تفاصیل المعرکة، ویبتهجون بانتصاراتهم الصغیرة، لأن الإستراتیجیة الشاملة ستأتی لک بالجائزة الکبری: أن تکون من یضحک أخیرا)(1).

وهکذا کانت نتیجة معرکة الطف، فقد ابتهج یزید بن معاویة وعبید الله بن زیاد وعمر بن سعد وقادة الجیش بالانتصارات العسکریة والقتالیة، لکنهم سرعان ما ذهبوا قتلاً وسقطت دولتهم وافتضحوا فی فسادهم وانکشف کفرهم ونفاقهم وتهاوت عقیدتهم، وکان الحسین علیه السلام وأصحابه وأهل بیته هم الذین فرحوا أخیراً فلا خوف علیهم بعدئذ ولا هم یحزنون، فقد ربحوا الحرب، حرب التوحید والإصلاح فی أمة جده محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

وعلیه:

لم یجد أمیر الجیش حینها سوی القتال (فتقدم حتی وقف قبالة الحسین علیه السلام علی فرس له، فاستخرج سهما فوضعه فی کبد القوس ورمی بسهم،

ص: 178

وقال: اشهدوا لی عند الأمیر أنی أول من رمی، ثم رمی الناس، فلم یبق من أصحاب الحسین علیه السلام أحد إلا أصابه من سهامهم، فقال علیه السلام لأصحابه:

«قوموا رحمکم الله إلی الموت الذی لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إلیکم»(1).

وهذه المرحلة من المعرکة کشفت عن بعض الأمور، وهی:

1 - أصبح الآن أن الحرب فی هدفها الثانی، بعد العقائدی، هو المصالح الشخصیة والحصول علی المال والتقرب من أمیر الکوفة حتی لو تطلب الأمر قتل نفس النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم لو وقف فی طریقهم لتحقیق تلک الأهداف والمصالح الشخصیة، وعلی مبدأ (اشهدوا لی عند الأمیر بأنی أول من رمی).

2 - تعریة العدو أمام التاریخ والبشریة فلم یبق بعد الآن قناع إلا وقد سقط وظهرت حقیقة السلطة ورموزها.

3 - فی المقابل کذاک عرفت الأضداد، أی: تتجلی شرف المبادئ التی حملها الإمام الحسین علیه السلام وأصحابه وعقیدتهم بالله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم وإنهم یقاتلون فی سبیل الله، وفی سبیل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وفی سبیل الحیاة الکریمة للناس جمیعاً حینما تسود شریعة الله فی الأرض؛

ص: 179

فمن أرحم من الله تعالی بعباده وخلقه وقد کتب علی نفسه الرحمة وهو أرحم الراحمین.

4 - ملاقاة الموت بقلوب من حدید فلا یبالی الحسین وأصحابه وأهل بیته علیهم السلام بهذه الرسل التی جاءتهم من القوم، فقد هبوا لملاقاتها کما قال سیدهم وأمیرهم وإمامهم الحسین بن علی علیهما السلام:

«قوموا رحمکم الله إلی الموت الذی لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إلیکم».

فقد کسب الإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام الحرب ولم یبق سوی الفوز بالشهادة وذلک أن عقیدتهم ومبدأهم فی هذا السیر عدم المبالاة بالموت. إنها عقیدة ومبدأ تجلی فی قول علی الأکبر علیه السلام قبل أن یصل الرکب إلی أرض کربلاء حینما سمع أباه الحسین علیه السلام وهم فی قصر بنی مقاتل یقول:

«إنا لله وإنا إلیه راجعون»، و«الحمد لله رب العالمین»، مرتین.

فأقبل: إلیه وهو علی فرس فقال له: یا أبه جعلت فداک مم استرجعت؟ وعلام حمدت الله؟ قال الإمام الحسین علیه السلام:

«یا بنی، إنه عرض لی فارس علی فرس فقال: القوم یسیرون والمنایا تسیر  إلیهم فعلمت أنها أنفسنا نعیت إلینا».

فقال: یا أبتاه لا أراک الله سوءاً أبداً، ألسنا علی الحق؟ قال علیه السلام:

«بلی والذی إلیه یرجع العباد».

ص: 180

فقال علی الأکبر علیه السلام: یا أبت فإذاً لا نبالی، فقال علیه السلام:

«جزاک الله خیر ما جزی ولد عن والده»(1).

وهکذا فإن هذه الاستراتیجیات المستخدمة فی حرب الإمام الحسین علیه السلام علی خصومه فی یوم عاشوراء قد حققت بلوغ الهدف، هدف الحرب قبل البدء بالقتال العسکری علی أرض الطف؛ إلاّ أن بلوغ الهدف فی کسب الحرب وانتصار نهج الإمام الحسین علیه السلام وتحقق الإصلاح فی أمة جده لم یکن بمعزل عن الإنجازات العسکریة من خلال مجموعة من التکتیکات القتالیة أعجزت جیش الکوفة عن تحقیق نصرهم العسکری فی وقت قصیر وقد تزایدوا عن ثلاثین ألفاً ولم یبلغوا النصر الحاسم.

بل تفید النصوص التاریخیة عن سیر المعرکة: أن أمیر الجیش وقادة الأجنحة أعیاهم القتال لهذه المجموعة الذین لم یتجاوزوا المئة رجل ولم یتحقق لهم ما أرادوا إلا بعد أن تقدیم الخسائر الکبیرة فی الأرواح واستنزاف الجیش وبعد مرور ساعات عدیدة علی المعرکة؛ أی من شروق شمس یوم العاشر إلی رحیل قرص الشمس من هذا الیوم.

وذلک بفعل فنون الحرب والتکتیکات العسکریة التی استخدمها الإمام الحسین علیه السلام فی قتاله لأعداء الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم فی یوم العاشر، وهو ما سنعرض له فی المبحث القادم.

ص: 181

ص: 182

ص: 183

إن دراسة فنون معرکة الطف العسکریة والتکتیکات القتالیة ترجع الباحث إلی منهجین أساسیین فی القتال وهما منهج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم القتالی فی غزواته، ومنهج الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی قتاله، تحت رایة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو فی حروبه الثلاثة (الجمل، وصفین، والنهروان)؛ فضلاً عن المنهج الجدید الذی ظهر فی أثناء القتال وهو استراتیجیة الهجوم والدفاع المشترک.

فأما المنهج القتالی الأول، فکان (نظام الصفوف)، وأما الثانی فهو (نظام المبارزة الفردیة)، وکلاهما کان ضمن الفنون القتالیة فی زمن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهما السلام؛ وقد اعتمد الإمام الحسین علیه السلام علی کلا المنهجین فی القتال، وتتضح فائدتهما فیما یلی:

ص: 184

ولکن حینما جاء الإسلام وبدأ النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم مرحلة الجهاد بالسیف والقتال تغیر الحال وبدأت العرب تشهد أسلوباً جدیداً فی القتال ألا وهو نظام الصفوف امتثالاً لأمر الله تعالی فی تحدید نظام القتال، فقال سبحانه:

((إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیَانٌ مَرْصُوصٌ))(1).

فبدأ النبی صلی الله علیه وآله وسلم یعوّد المسلمین علی لقتال وفق نظام الصفوف، حالهم فی ذاک حال الوقوف فی صلاة الجماعة.

(وهنا: یظهر التشابه التام بین نظام المقاتلین فی المیدان ونظام صلاة الجماعة فی المسجد ففی کلتا الحالتین تسوی الصفوف بدقة ویسود الصمت ولا یرتفع الصوت إلا بالتکبیر، وتسد ثغرات الصف الأول من الصف الذی یلیه ویخضع المصلون لإشارة الإمام، أی: خضوع الجند لأمر القائد؛ ویبدو أن فریضة الصلاة کانت تمریناً یومیاً علی وقفة المیدان ونظامه.

وکان المسلمون یصفون صفوفهم بشکل منتظم بحیث لا یتقدم أحد عن مرکزه أو یتأخر إلاّ بأمر القائد، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یمسک بیده عصا قصیرة، یسوی بها صفوف أصحابه وکان علی علیه السلام یرتبهم فی صفوف کأنما یغرسهم فی الأرض غرساً فیثبتون کأنهم بنیان مرصوص)(2).

ص: 185

ص: 186

کما ذکر المجلسی فی البحار وعنه السید المقرم فی المقتل عن محمد بن أبی طالب الحسنی وهو مخالف لما ثبت من خلال التحقیق بأن المعرکة بدأت بالمبارزة الفردیة ولم یکن الإمام علیه السلام غافلاً عن سلبیة الهجوم الشامل وهو علی هذه القلة من الأنصار فیستشهد منهم خمسون نفراً لیبقی منهم اثنان وعشرون! وهذا مخالف لمجریات المعرکة.

وعلیه:

فقد بدأ علیه السلام بنظام المبارزة الفردیة أو الثنائیة کما سیمر فی المسألة الأولی.

ص: 187

نادی فیهم: (أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستمیتین، لا یبرز إلیهم أحد منکم إلاّ قتلوه علی قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد:

الرأی ما رأیت، أرسل فی الناس من یعزم علیهم أن لا یبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إلیهم وحداناً لأتوا علیکم)(1).

وهذه النتیجة هی فی غایة الخطورة علی المستوی العام للقتال وتکشف عن حکمة الإمام الحسین علیه السلام فی قیادة المعرکة فهذه المجموعة التی لا تتجاوز المائة مقاتل بقیادة الإمام الحسین علیه السلام تستطیع أن تقضی علی أکثر من ثلاثین ألف مقاتل، فضلاً عن أن هذه النتیجة تأتی من فم أمیر الجیش وقائد المیمنة.

وعلیه: هذا التکتیک فی نظام القتال فی معرکة الطف أعطی ثماره الأولی.

2 - إن المبارزة الفردیة أو الثنائیة، وهی: أی المبارزة الثنائیة والثلاثیة بحد ذاتها جدیدة فی نظام القتال عند العرب وأول ما ظهرت فی معرکة بدر هی تعطی مظاهر للشجاعة والجلادة وتترک مساحة واسعة للرواة فی تسجیل هذه المواقف وأصحابها.

3 - إن هذا النظام له من الفعالیة الإعلامیة والوجدانیة علی الناس ما یجعله یمسک بالأنفاس والقلوب والعقول ویدفع الرواة أن یحدثوا الناس بقتال أنصار

ص: 188

الإمام الحسین علیه السلام فی هذه المعرکة، حتی أصبح المؤمنون ینادون علی مر التاریخ لأهل البیت علیهم السلام حینما یأتون لزیارة قبورهم: (یا لیتنا کنا معکم فنفوز فوزاً عظیماً).

4 - إن هذه المبارزة تقدم شحناً معنویاً لأصحاب الحسین علیه السلام فی الجلادة والإصرار علی بلوغ الهدف والتفانی فی نصرة ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ولذا: عجز الزمان علی أن یأتی بمثلهم.

ولعل الرجوع إلی أسلوب المبارزة الذی نقله الرواة یعطی صورة واقعیة لبیان هذه الأسباب، فکانت هذه المبارزة کالآتی:

ص: 189

ص: 190

یقول، وقد قتلهما جمیعاً:

إن تنکرونی فأنا ابن کلبی

حسبی ببیتی فی علیم حسبی

إنی امرؤ ذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النکب

إنی زعیم لک أم وهب

بالطعن فیهم مقدما والضرب

ضرب غلام مؤم_______ن ب_________________ال___رب

فأخذت أم وهب امرأته عموداً ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداک أبی وأمی قاتل دون الطیبین ذریة محمد، فأقبل إلیها یردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت: إنی لن أدعک دون أن أموت معک؛ فنادها الحسین علیه السلام، فقال:

«جزیتم من أهل بیت خیراً، ارجعی رحمک الله إلی النساء فاجلسی معهن، فإنه لیس علی النساء قتال».

فانصرفت إلیهن)(1).

ص: 191

من الجراح وقاتلوا حتی استشهدوا فی مکان واحد(1).

ص: 192

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«ضربة علی یوم الخندق أفضل من عبادة أمتی إلی یوم القیامة»(1).

وذلک لما ترتب علیها من نتائج قیام الإسلام وانتشاره وثبات عقیدة المسلمین واندحار المشرکین وتکسیر سنام الوثنیة وتقویض أساسها.

وفی کربلاء کانت النتائج الأولیة لمبارزة عبد الله بن عمر الکلبی وأصحابه الأربعة الذین خرجوا من بعده علی المعرکة ما یلی:

1 - قتل رمزیّ القیادة الحاکمة للبیت الأموی فی الشام والکوفة، إذ کما نلاحظ أن عبد الله بن عمیر الکلبی قد قتل یسار مولی خالد بن أبی سفیان، وسالم مولی عبید الله بن زیاد؛ وإن هذین الرجلین کانا مهیئین من حیث التدریب علی القتال وفنونه ما یوازی موقعهما من الأسرة الحاکمة، وهو ما یعرف الیوم (برجال النخبة) أو (الحرس الرأسی) أو (الکمندوس).

وهو دلّ علیه قول الإمام الحسین علیه السلام حینما لم یأذن لحبیب بن مظاهر، وبریر بن خضیر بالخروج للقتال وأذن لعبد الله بن عمیر، فقال علیه السلام:

«إنی لأحسبه للأقران قتالاً».

فکان قتله لهما نصراً عسکریاً علی مستوی المعرکة وروح القتال فیها.

2 - إن هذا النصر العسکری الذی حققه عبد الله بن عمیر وأصحابه الأربعة الذین ساندهم أبو الفضل العباس بن علی بن أبی طالب علیهم السلام قد وجه ضربة قاسیة إلی قیادة الجیش وعلی رأسهم عمر بن سعد.

ص: 193

ولذا:

وکتدبیر عسکری لحفظ توازن المعرکة والمحافظة علی الروح المعنویة والقتالیة لجند الکوفة بادر قائد المیمنة إلی التغییر فی أسلوب القتال وهو الهجوم الشامل لجانب المیمنة علی میمنة معسکر الإمام الحسین علیه السلام فما کانت النتیجة؟

ص: 194

مستویة متعاقبة، وکان رجال الصف الأول وهم المسلحون بالرماح الطویلة یجثون علی رکبهم ویحمون أنفسهم بالتروس من نبال الأعداء ورماحهم ویغرسون رماحهم الطویلة فی الأرض موجهین رؤوسها إلی الأعداء ویتمرکز النبالون خلف المشاة حاملی الرماح ویرمون العدو من فوق رؤوسهم وهذا الأسلوب فی حال الهجوم)(1).

أما ما استخدمه أصحاب الإمام الحسین علیه السلام من القتال بهذا النظام فکان فی الدفاع والهجوم لغرض تکبید العدو عند ذلک أکبر عدد ممکن من الخسائر البشریة؛

إذ (تبقی الصفوف فی مواضعها بسیطرة قائدها حتی یفقد هجوم العدو قوته وشدته عند ذلک تتقدم الصفوف للزحف علی العدو.

وکانت میزة هذا التشکیل القتالی أنه یؤمن العمق کما تکون بید القائد قوة احتیاطیة تمکنه من معالجة المواقف الطارئة ولو بشکل محدود کما کان یستثمر الفوز بذلک الاحتیاط)(2).

وبعد هذا الفشل فی هجوم المیمنة الذی شنه عمرو بن الحجاج علی میمنة الإمام الحسین علیه السلام ورجوعه إلی مرکزه وظهور تأثیر هذا الفشل علی الروح المعنویة لجیش الکوفة تظهر محاولة من أحد وجوه الکوفة لغرض ترمیم الروح المعنویة للجند؛ فماذا صنع؟ جوابه فی المسألة القادمة.

ص: 195

ص: 196

فقال له بریر بن خضیر: هل لک فلأباهلک، ولندع الله أن یلعن الکاذب، وأن یقتل المحق المبطل.

فبرز کل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتین، فضرب یزید بن معقل بریر ابن خضیر ضربة خفیفة لم تضره شیئاً، وضربه بریر بن خضیر ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ فخر کأنما هوی من حالق وأن سیف ابن خضیر لثابت فی رأسه)(1).

قال أبو الأخنس وکان قد شهد المعرکة ویروی عنه الطبری: (فکأنی أنظر إلیه - أی إلی بریر ینضض سیفه من رأس یزید بن معقل - وحمل علیه رضی بن منقذ العبدی واعتنق بریراً واعترکا فصرعه بریر وجلس علی صدره فاستغاث رضی بأصحابه، فذهب کعب بن جابر بن عمرو الأزدی لیحمل علی بریر فصاح به عفیف ابن زهیر بن أبی الأخنس: هذا بریر بن خضیر القارئ الذی کان یقرئنا القرآن فی جامع الکوفة؛ فلم یلتفت إلیه وطعن بریراً فی ظهره، فبرک بریر علی رضیّ، وعض وجهه وقطع طرف أنفه وألقاه کعب برمحه عنه، وضربه بسیفه فقتله. وقام العبدی ینفض التراب عن قبائه وقال: لقد أنعمت علی یا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبداً.

ولما رجع کعب بن جابر إلی أهله عتبت علیه امرأته النوار وقالت: أعنت علی ابن فاطمة، وقتلت سید القراء، لقد أتیت عظیماً من الأمر، والله لا أکلمک من رأسی کلمة أبداً فقال:

سلی تخبری عنی وأنت ذمیمة

غداة حسین والرماح شوارع

ألم آت أقصی ما کرهت ولم یخل

علی غداة الروع ما أنا صانع

ص: 197

معی مزنی لم تخنه کعوبه

وأبیض مخشوب الغرارین قاطع

فجردته فی عصبة لیس دینهم

بدینی وإنی بابن حرب لقانع

ولم تر عینی مثلهم فی زمانهم

ولا قبلهم فی الناس إذ أنا یافع

أشد قراعاً بالسیوف لدی الوغی

ألا کل من یحمی الذمار مقارع

وقد صبروا للضرب والطعن حسراً

وقد نازلوا لو أن ذلک نافع

فأبلغ عبید الله إما لقیته

بأنی مطیع للخلیفة سامع

قتلت بریراً ثم حملت نعمة

أبا منقد لما دعا من یماصع

فرد علیه رضی بن منقذ العبدی بقوله:

ولو شاء ربی ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عندی ابن جابر

لقد کان ذاک الیوم عاراً وسبة

تعیره الأبناء بعد المعاشر

فیا لیت أنی کنت من قبل قتله

ویوم حسین کنت فی رمس قابر)(1)

وهذه الصورة النقیة تکشف عن بعض الحقائق:

1 - إن جیش الکوفة قد استوجب العذاب واستحق اللعن وهذا کله یجری أمام الجیشین وهو کفیل برفع الروح المعنویة لأصحاب الإمام الحسین علیه السلام وانحطاطها لدی جیش الکوفة، الذین أصبحوا یدرکون أکثر فأکثر أنهم قد خسروا الدنیا والآخرة.

2 - إنّ هذه الحادثة کشفت عن فساد عقیدتهم وأن الموالاة والتشیع لآل أبی سفیان ورموزهم هو ضلال ما بعده ضلال، وإن اتباع علی بن أبی طالب وموالاته والتشیع له حق ما بعده حق وهو الذی ارتضاه الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

ولذلک: یعود القتال إلی أسلوب المبارزة بعد هذه الحادثة، فکیف جری؟

ص: 198

ص: 199

فقاتل حتی استشهد؛ فنادی علی بن قرظة - وکان فی جیش عمر بن سعد - : یا حسین، یا کذاب ابن الکذاب، أضللت أخی وغررته حتی قتلته.

فرد علیه الإمام الحسین علیه السلام، فقال:

«إنّ الله لم یضل أخاک، ولکنه هدی أخاک وأضلک».

فرد قائلا: قتلنی الله إن لم أقتلک أو أموت دونک، فحمل علیه، فاعترضه نافع ابن هلال المرادی فطعنه فصرعه فحمله أصحابه فاستنقذوه فدووی بعد ذلک فبرأ)(1).

والمشهد القتالی یکشف عن حقیقة العسکرین، وما انطوت علیه عقیدة کل منهما حتی فی البیت الواحد والأسرة الواحدة من المسلمین؛ فهذا الرجل لم یبال من التجری علی الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم فیجاهر أمام الناس بهذه العقیدة الفاسدة الظالمة فیسب الإمام الحسین علیه السلام وأباه أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب علیه السلام.

علی الرغم من کثرة النصوص الصریحة الواردة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أن من سب علی بن أبی طالب فقد سب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(2)؛ ومن سب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد سب الله(3)، ومن سب الله تعالی فقد کفر.

ص: 200

فضلاً عن أن حبه عنوان الإیمان وبغضه عنوان النفاق؛ وهذه الأحادیث وإن کانت لا ترق إلی حرب الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم الذی هم علیه الآن فی کربلاء إلا أن فائدتها لا تقبل التأویل، وذلک أنهم فی خروجهم لقتال سید شباب أهل الجنة کانوا قد أوجدوا بعض العناوین التی تلبس الحق بالباطل کقولهم: إنه لم یبایع وخرج عن الجماعة - کما سیمر لاحقاً - لکن التجاهر بسب علی بن أبی طالب علیه السلام لا یقبل التأویل فی نفاقهم وکفرهم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1).

ص: 201

(إن الحر بن یزید لحق بالحسین - علیه السلام - ، قال رجل من بنی تمیم، یقال له یزید بن سفیان: أما والله لو أنی رأیت الحر بن یزید حین خرج لأتبعته السنان؛ - أی: حین خرج ملتحقاً بالإمام الحسین علیه السلام وقد انسحب من جیش الکوفة - .

قال: فبینا الناس یتجاولون ویقتتلون، والحر بن یزید یحمل علی القوم مقدماً؛ ویتمثل قول عنترة - بن شداد - :

ما زلت أرمیهم بثغرة نحره

ولبانه حتی تسربل بالدم

قال: وإن فرسه لمضروب علی أذنیه وحاجبیه، وإن دماءه لتسیل؛ فقال الحصین بن تمیم(1) لیزید بن سفیان: هذا الحر بن یزید الذی کنت تتمنی، قال: نعم، فخرج إلیه فقال له:

هل لک یا حر بن یزید بالمبارزة؟ قال: نعم قد شئت ذلک، فبرز له.

قال النضر بن صالح: سمعت الحصین بن تمیم یقول: والله لبرز له فکأنما کانت نفسه فی یده، فما لبث الحر حین خرج إلیه أن قتله)(2)، ثم کر عائداً إلی معسکر الإمام الحسین علیه السلام.

وهذه الحالة من المبارزة والصورة التی کان علیها الحر بن یزید فی قتاله لجیش الکوفة فیحمل (علی القوم مقدماً، ویتمثل قول عنترة بن شداد) ووصف

ص: 202

الحصین له حینما خرج لمبارزته یزید بن سفیان بقوله: (فکأنما کانت نفسه فی یده فما لبث الحر أن قتله)؛ کل ذلک یکشف عن شدة قتال الحر للقوم وتکبیدهم خسائر فادحة.

إلاّ أن التاریخ کان قد أخذ عهداً علی نفسه بعدم إنصاف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعترته أهل بیته وکل من تشیع لهم فکان نصیب معرکة الطف من هذا العهد حصة الأسد؛ فأخفی تفاصیل هذه المعرکة وما جری فیها من مآثر وبطولات؛ فی حین نجد أن التاریخ قد أسهب فی تفاصیل حیاة الزیر سالم، وعنترة بن شداد وغیرهما؛ وتغافل عن أبطال الإسلام المحمدی؛ وتعاظم فی ذکر المنافقین وأشیاع بنی أمیة.

إلاّ أن کل هذا التغافل والتعتیم لم یشأ من إخفاء تلک البطولات الملحمیة التی ظهرت فی عاشوراء، إذ یکفی باستغاثة عمرو بن الحجاج وقائد المیمنة، بأمیر الجیش ومناداته للجند بترک المبارزة والخروج الفردی لقتال أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فهذه الاستغاثة من أمیر المیمنة خیر دلیل علی تلک الملاحم الفردیة التی غیرت مسار التاریخ علی رغم أنف الظالمین والمنافقین.

ص: 203

فبرز إلیه مزاحم بن حریث فقال: أنا علی دین عثمان، فقال له نافع: أنت علی دین شیطان، وحمل علیه فقتله)(1).

والروایة تضیف معطی آخر من معطیات البنیة العقدیة لمعرکة الطف؛ إذ تبلور الصراع العقائدی بین العسکرین؛ وذلک:

أن الجند الذین خرجوا لقتال ریحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کانوا علی دین عثمان بن عفان، أی دین بنی أمیة، وأن جند الإمام الحسین علیه السلام کانوا علی دین علی بن أبی طالب علیه السلام، أی: علی دین رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما نص علیه الحدیث النبوی فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«من کنت مولاه فعلی مولاه»(2).

وفی لفظ آخر:

«من کنت مولاه فعلی مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(3).

بل: إن الرد الذی تلقاه مزاحم بن حریث من نافع بن هلال علیه السلام، قائلاً له: (أنت علی دین شیطان) یکشف عن أن عقیدة هؤلاء الذین خرجوا لقتال الإمام الحسین علیه السلام غریبة علی الإسلام، فهم حزب الشیطان؛ وأما عثمان بن عفان وغیره من الرموز فقد اتخذها هؤلاء لغرض تحقیق مکاسب شخصیة وعقدیة فی هدم أرکان الإسلام.

ص: 204

ص: 205

المعرکة فی الهجوم علی جیش الکوفة الذی لم یظهر فیه إلا حالة واحدة من الابتداء بالخروج لطلب المبارزة وهو ما کان عند ابتداء المعرکة حینما خرج سالم ویسار فبرز إلیهما عبد الله بن عمیر الکلبی فقتلهما وعاد إلی الإمام الحسین علیه السلام، ففی هذا الموقف فقط سجل الرواة خروجاً لفرسان جیش السلطة وهم یطلبون المبارزة ومن ثم لم تشهد المعرکة ظهوراً آخر للفرسان، وذلک أن أصحاب الإمام الحسین علیه وعلیهم السلام کانوا هم الذین یتقدمون للقتال وهذا النوع من القتال کان هجومیاً ودفاعیاً فی آن واحد.

ولذا نلاحظ مثلاً:

ألف: قتال الحر بن یزید الریاحی خلال جولاته فی القتال فی هذه المرحلة، أی بعد هجوم میمنة جیش الکوفة وفشلها، ثم لیعاود النزال فی جولة جدیدة مع زهیر بن القین - کما سیمر -.

باء: قتال نافع بن هلال البجلی الذی کان ضمن جولات عدة.

جیم: قتال عبد الله بن عمیر الکلبی، ففی الظهور الأول الذی سجله الرواة کان قد قتل سالماً ویساراً، وفی ظهوره الثانی کان قد قتل تسعة عشر رجلاً ثم أخذ أسیراً کما سیمر.

دال: قتال علی الأکبر علیه السلام، وآل أبی طالب علیهم السلام، وأبناء علی أمیر المؤمنین وسید الشهداء علیهم السلام - کما سیمر -.

وهذا النمط من القتال یکشف عن الإستراتیجیة العسکریة للإمام الحسین علیه السلام فی معرکة الطف التی أراد منها، أی من هذه الإستراتیجیة إظهار

ص: 206

مکامن ضعف العدو العسکریة والقتالیة والعقدیة، وإن هذه الألوف المألفة من المقاتلین کانت فی معظم الوقت فی حالة الدفاع والذعر والتهالک.

ص: 207

ص: 208

وهذا النداء لتدارک الخسائر تبعه تغییر فی نظام القتال من المبارزة إلی الهجوم بتحرک مع میمنة جیش الکوفة من جهة الفرات علی أصحاب الإمام الحسین علیه السلام بقیادة عمرو بن الحجاج ثم یلیه هجوم المیسرة بقیادة شمر بن ذی الجوش.

ص: 209

ص: 210

الحاکم وخالف الجماعة، إن صحت، لکانت عائشة بخروجها علی الحاکم والجماعة واجبة القتل بنص تلک العناوین.

والحال یجری مجراه فی معاویة بن أبی سفیان، وطلحة بن عبید الله، والزبیر ابن العوام، وکل من خرج علی الحاکم فی زمانه وخالف جماعة المسلمین.

وعلیه:

فهذه العناوین، عناوین سیاسیة شرعتها الأهواء والمصالح الشخصیة والدراهم والدنانیر وکراسی الحکم والإمارة.

ص: 211

ص: 212

أنت أهل له فی القرابة والدین.

قال - مسلم - :

بل أنا أوصیک بهذا رحمک الله، وأهوی بیده إلی الحسین، أن تموت دونه.

قال: أفعل ورب الکعبة.

قال: فما کان بأسرع من أن مات فی أیدیهم؛ وصاحت جاریة له، فقالت: یا ابن عوسجتاه، یا سیداه، فتنادی أصحاب عمرو بن الحجاج قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدی.

فقال شبث بن ربعی لبعض من حوله من أصحابه ثکلتکم أمهاتکم إنما تقتلون أنفسکم بأیدیکم وتذلون أنفسکم لغیرکم تفرحون أن یقتل مثل مسلم بن عوسجة، أما والذی أسلمت له، لرب موقف له قد رأیته فی المسلمین کریم، لقد رأیته یوم ساق آذربیجان قتل ستة من المشرکین قبل أن تتام خیول المسلمین، أفیقتل منکم مثله وتفرحون)(1).

فهذه الحالة التی أصبح علیها شبث بن ربعی وزجره للجند وملامته فی قتلهم لمسلم بن عوسجة انعکس سلباً علی جیش السلطة لاسیما فی انکسار الروح المعنویة وتعاظم الإحساس بالفشل والخسران المبین.

وذلک أنهم یقاتلون ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسید شباب أهل الجنة علیه السلام.

ص: 213

ص: 214

کما یقتضی أن یکون أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فی هذه المرحلة جاثین علی الأرض لتلقی الخیالة فإذا کروا عنهم طاعنوهم فی ظهورهم بمعنی یکون إحکام قتل المهاجمین فی الإقدام والرجوع؛ مما یحقق خسائر کبیرة فی العدو؛ وعلیه: فقد استلزم هذا الفشل فی هجوم المیمنة والمیسرة خطة جدیدة تعید لجیش السلطة بعض ماء الوجه، وهو ما سنعرض له فی المسألة القادمة.

ص: 215

ص: 216

عشر فارساً واثنی عشر راجلاً، ثم قطعت یده الیمنی، وأخذ أسیراً)(1).

ویشیر الطبری إلی صفة قتال عبد الله بن عمیر الکلبی، فیقول:

(وقاتل قتالاً شدیداً) ومن کان هذا حاله لا یصح أنه قتل رجلین فقط؛ لاسیما وأن مجریات معرکة الطف وما مر ذکره من نصوص تثبت أن الرجل الواحد من أصحاب الحسین علیه السلام کان یعادل المئات من جیش الکوفة.

ولذا: یصف قتالهم الطبری فی هذه المرحلة من الحرب، أی: عند صدهم لهجوم العدو علیهم من کل جانب: (وقاتلهم أصحاب الحسین قتالاً شدیداً)(2).

أما فی حال تنفیذهم لإستراتیجیة تحویل القوة الدفاعیة إلی قوة هجومیة، فقد وصفهم أبو مخنف بقوله:

(وقاتلوهم حتی انتصف النهار أشد قتال خلقه الله)(3)!!!

وبهذا المستوی استطاع أصحاب الإمام الحسین علیه السلام من التصدی لهذا الهجوم الذی شنه جیش ابن سعد من کل جانب لیقابلوه بعد هذا بهجوم معاکس ومن کل جانب فیحدثوا إرباکاً فی صفوف الجیش وکتائبه، وذلک من خلال هجوم الفرسان علی جیش الکوفة من کل جانب وإنجاز تقدّم عسکری فی المعرکة مما دفع أمیر الجیش عمر بن سعد إلی الإسراع فی أخذ التدابیر لردع هذا الهجوم لفرسان أصحاب الإمام الحسین علیه السلام؛ وهو ما سنعرض له فی المسألة القادمة.

ص: 217

ص: 218

وثلاثون فارساً وأخذت لا تحمل علی جانب من خیل أهل الکوفة إلا کشفته فلما رأی ذلک عزرة بن قیس وهو علی خیل أهل الکوفة أن خیله تنکشف من کل جانب بعث إلی عمر بن سعد، عبد الرحمن بن حصن فقال:

أما تری ما تلقی خیلی مذ الیوم من هذه العدة الیسیرة؟ ابعث إلیهم الرجال والرماة. فقال عمر بن سعد لشبث بن ربعی: ألا تقدم إلیهم؟

فقال: سبحان الله أتعمد إلی شیخ مصر، وأهل مصر عامة تبعثه فی الرماة لم تجد من تندب لهذا ویجزی غیری؟

فدعا عمر بن سعد، عمر بن حصین بن تمیم - وکان علی شرطة الکوفة لعبید الله بن زیاد - فبعث معه (فرقة) المجففة وخمسمائة من المرامیة فأقبلوا حتی إذا دنوا من الحسین وأصحابه - علیهم السلام - رشقوهم بالنبل فلم یلبثوا أن عقروا خیولهم وصاروا رجالة کلهم)(1).

ص: 219

ولذا: نجدهم اختلفوا فی بیان العدد الحقیقی لأصحاب الإمام الحسین علیه السلام، وما هو عدد الفرسان والرجالة، فضلاً عن أن بعض هذه المصادر أشارت إلی أن الإمام الحسین علیه السلام ابتدأ بنظام الهجوم الجماعی، أو کما عبّر عنه (بالحملة الأولی) وما تبعها من خسارة کبیرة فی عدد الأصحاب الذین استشهدوا کما یروی السید المقرم رحمه الله:

(فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسین صریعاً).

وعلیه:

کیف یذهب هذا العدد من الشهداء مع قلة الناصر، ومخالفة ذلک لخبرة الحرب عند العرب قبل الإسلام وبعده، فضلاً عن مخالفته لسیرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقیادته العسکریة حینما کان یواجه الکثرة من الأعداء بالقلة من المسلمین - کما أسلفنا - .

وعلیه:

فوجود هذا العدد من الفرسان الذی نصت علیه روایة أبی مخنف والطبری وغیرهما تکشف عن عدم صحة وقوع الحملة الأولی؛ بل: إن مفهوم الحملة الأولی ومصداقه وقع فی هذا الوقت تحدیداً لجماعة الفرسان الذین حملوا فی کل جانب یقاتلون جیش السلطة الأمویة.

2 - إن نظام القتال لهؤلاء الفرسان فی الحرب کان یعتمد علی نظام الصف المستقیم مع ترک فواصل بین الفرسان للحرکة والمقاتلة والمطاعنة فی الهجوم علی الأعداء.

ص: 220

مما شکل جبهة قتالیة مقدارها ما یقارب المائة متر بخط مستقیم، وذلک أن المساحة التی یحتاجها الفارس مع فرسه ثلاثة أمتار علی أقل تقادیر مع مراعاة تضییق المسافات کی لا یستغلها العدو فیتخلل منها للالتفاف.

وهذا النظام حقق نجاحاً کبیراً فی الهجوم علی خیل الکوفة حینما کان یشهد علیهم أصحاب الحسین علیه السلام وقد استخدموا التکتیکات فی التنقل بالاتجاهات المختلفة فی التعاقب وسد الثغرات مع حفاظهم علی استقامة الصف فی تغییر اتجاهه فتمکنوا من تکبید جیش الکوفة خسائر کبیرة کشفت عنها استغاثة قائد خیل الکوفة وهو یستنجد بأمیر الجیش قائلاً:

(أما تری ما تلقی خیلی مذ الیوم من هذه العدة الیسیرة؟).

3 - إن قول قائد فرقة الخیالة: (ما تلقی خیلی) کنایة عما یلاقیه الفرسان فی هذه الفرقة من القتل والاضطراب وحجم الخسائر التی شملت جمیع مکونات هذه الفرقة أی: ما کان یلاقیه الفرسان من فنون الفروسیة التی أظهرها أصحاب الإمام الحسین علیه وعلیهم السلام قد شمل الفارس وفرسه، وکأنّ خیل أصحاب الإمام الحسین علیه السلام هی الأخری کانت تتقن فنون الفروسیة وما ذاک إلا للتدریبات التی کان یمارسها أصحاب الإمام الحسین علیه السلام.

ولذا: عرفوا ب_(فرسان المصر).

4 - إن هذا النجاح الکبیر الذی حققه فرسان أصحاب الإمام الحسین علیه السلام لا یدعه الأعداء یستمر ولذا عمد عمر بن سعد إلی إرسال فرقة المجففة، أی: الفرقة المدرعة التی یکون فیها الفارس وفرسه محاطاً باللباس المدرع کی

ص: 221

یتقی به السهام والرماح والسیوف؛ فتم تقدیمهم أمام الرماة لتوفیر الحمایة والغطاء لهم کی یتمکنوا من رشق الخصم بالسهام.

وبهذه الطریقة نجح جیش الکوفة من عقر خیول أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فأصبحوا کلهم رجالة، لینتقلوا عند ذلک إلی نظام المبارزة الفردیة، وهو ما نتناوله لاحقا.

ص: 222

الطریقة إلا أن تعمد الرواة من التعتیم علی مجریات المعرکة وخوف البعض منهم من أن ینکشف أمره بمشارکته فی قتل ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دفعهم للسکوت؛ وإلا فهم جمیعاً کانوا یقاتلون بکیفیة لم یر مثلها العرب والعجم ولذا: وصف أبو مخنف قتالهم فقال: (وقاتلوهم حتی انتصف النهار أشد قتال خلقه الله).

وعلیه: فالنص التاریخی واضح الدلالة فی کیفیة القتال الذی کان یخوضه أصحاب الإمام الحسین علیه السلام بعد أن تحولوا إلی نظام المبارزة، ولعل وصف الراوی لقتال الحر بن یزید بقوله: (فما رأیت أحداً قط یفری فریه)، أی شدة قتله وجلادته.

وقوله: (وقاتلوهم أشد قتال خلقه الله) یغنی عن البیان فیما تکبده العدو من الخسائر، فضلاً عن الرجال الذین لم یر لهم مثیل فی تاریخ الحروب.

ص: 223

علیه السلام حینما کانوا یقاتلون بنظام المبارزة، وقد مرّ بیان استنفار عمرو بن الحجاج، وعزم عمر بن سعد علی الناس بعدم الخروج لأصحاب الحسین علیه السلام ومبارزتهم، لأنهم سیقضون علی الجیش کما اعترف بذلک عمر بن سعد.

وعلیه:

فإن عقر خیول الفرسان لم یکن الحل الأمثل فی المعرکة ولا یمکن له أن یحقق النصر وإنما هی محاولة لتخلیص خیل جیش الکوفة وفرسانها مما تلاقیه من خیل أصحاب الإمام الحسین علیه السلام؛ ولذلک یحتاج عمر بن سعد إلی خطة بدیلة فَلِکی لا یعود القتال إلی المبارزة عمد إلی محاولة جدیدة، وهی:

فتح جبهة جدیدة للقتال یستطیع من خلالها مقاتلة الحسین علیه السلام وأصحابه من جهة الخلف، وذلک أن الإمام الحسین علیه السلام جعل القتال من جهة واحدة حینما حفر الخندق خلف البیوت وأضرم فیه النار لیجبر العدو علی أن یأتیه من جهة واحدة، ولقد حققت هذه الإستراتیجیة تکبید العدو الخسائر الکبیرة والتحکم بعمر الحرب، وهذه مسألة فی غایة الأهمیة لما تخلفه من آثار نفسیة ومعنویة وعقدیة وتاریخیة، فضلاً عن أهمیتها العسکریة القتالیة.

قال الطبری وغیره فی بیان أسلوب قتال أصحاب الإمام الحسین علیه السلام بعد أن تحولوا إلی رجالة کلهم وعجز جیش الکوفة عن مقاومتهم:

(وأخذوا لا یقدرون علی أن یأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أفنیتهم وتقارب بعضها من بعض، فلما رأی ذلک عمر بن سعد أرسل رجالاً یقوضونها عن أیمانهم وشمالهم لیحیطوا بهم.

ص: 224

قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسین - علیه السلام - یتخللون البیوت فیشدون علی الرجل وهو یقوض وینتهب فیقتلونه ویرمونه من قریب ویعقرونه، فأمر بها عمر بن سعد عند ذلک فقال: أحرقوها بالنار ولا تدخلوا بیتاً ولا تقوضوه، فجاءوا بالنار فأخذوا یحرقون.

فقال الإمام الحسین علیه السلام:

«دعوهم فلیحرقوها فإنهم لو قد حرقوها لم یستطیعوا أن یجوزوا إلیکم منها».

وکان ذلک، کذلک؛ وأخذوا لا یقاتلونهم إلا من وجه واحد)(1).

والنص یظهر ما یلی:

ص: 225

وهذه الحالة النفسیة دلّ علیه تحرک شمر بن ذی الجوشن حینما حمل مع الجند للوصول إلی فسطاط الحسین علیه السلام؛ إذ تفید الروایة: (أنه طعن فسطاط الحسین علیه السلام بالرمح ونادی علیّ بالنار حتی أحرق هذا البیت علی أهله!

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط؛ وصاح به الحسین - علیه السلام - :

«یا بن ذی الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بیتی علی أهلی أحرقک الله بالنار»(1).

ثم اعترض علی فعله کل من سلیمان بن أبی راشد، وشبث بن ربعی، فأما سلیمان فقال له: (سبحان الله إن هذا لا یصلح لک، أترید أن تجمع علی نفسک خصلتین تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء، والله إن فی قتلک الرجال لما ترضی به أمیرک)(2).

وأما شبث بن ربعی فقال له: (ما رأیت مقاتلاً أسوأ من قولک ولا موقفا أقبح من موقفک أمرعب للنساء صرت؟!)(3).

وهذه الأقوال تکشف عن مستوی الإحباط والذعر الذی وصل إلیه شمر بن ذی الجوشن وهو یری عجز الجیش عن تحقیق شیء یذکر، فضلاً عن تتابع الفشل، فاندفع لیطعن الخیمة وهو یظهر بذلک العجز عن الوصول للرجال فذهب لکی یرعب النساء والأطفال، وذلک لخبثه وخسته وفشله.

ص: 226

ص: 227

وهذه الدعوة تعید القارئ والباحث إلی تبلور حقیقة أن هذه المعرکة أساسها ودوافعها وقوامها العقیدة، بین عقیدة التوحید وعقیدة الطاغوت، هذا من جانب.

من جانب آخر: إن هذه القلة من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام إذا استشهد منهم أحد بان فیهم النقص، فی حین کثرة القتل فی جیش السلطة الأمویة لا تظهر النقص فیهم وذلک لکثرتهم.

وفی ذلک یقول المؤرخون:

(فلا یزال الرجل من أصحاب الحسین علیه السلام قد قتل فإذا قتل منهم الرجل والرجلان تبین فیهم وأولئک کثیر لا یتبین فیهم ما یقتل منهم)(1).

ولوجود هذا النقص الذی کان من الأساس أحد أسباب تحدید الحسم العسکری عند القادة علی مر التاریخ فإن الإمام الحسین علیه السلام یتخذ منذ هذا الوقت، أی انتصاف النهار من یوم العاشر إستراتیجیة الهجوم الحربی المرتکز علی الدفاع العقدی والردع المقدس.

بمعنی: أن اعتماد نظام المبارزة الفردیة أو الثنائیة هو النظام الأساس فی القتال مع العدو، وذلک لتناقص عدد أصحاب الإمام الحسین علیه السلام، ومن ثم فإن هذه القلة المتبقیة لا یمکن لها أن تقوم بهجوم، لأن ذلک سیکلفها خسران البقیة من الأصحاب دون أن یرصد التاریخ لهم أی دور بطولی یناط بکل فرد منهم؛ فضلاً عن تقدیمهم دروساً فی الدفاع عن العقیدة التی آمنوا بها، وإظهار

ص: 228

أعلی درجات الردع المقدس عن حرم الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

أی: الدفاع عن الإمامة التی تعد بوابة التوحید والنبوة کما نص علی ذلک الحدیث الشریف عن زرارة بن أعین، عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام:

«اللهم عرفنی نفسک فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف رسولک، اللهم عرفنی رسولک فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک، اللهم عرفنی حجتک فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی»(1).

فهؤلاء القوم عرفوا الله ورسوله وحجته فدافعوا عما عرفوا، وذبوا عن دینهم بالأنفس والولد والمال، فکانوا نماذج فریدة علی مرّ التاریخ.

ص: 229

حبیب قتالاً شدیداً فقتل رجلاً من بنی تمیم اسمه بدیل بن صریم وحمل علیه آخر من تمیم فطعنه فذهب لیقوم فضربه الحصین علی رأسه بالسیف فوقع ونزل إلیه التمیمی فاحتز رأسه.

فقال له الحصین أنا شریکک فی قتله؛ فقال الآخر: لا والله، فقال له الحصین أعطنیه أعلقه فی عنق فرسی کیما یری الناس أنی شرکت فی قتله ثم خذه وامض به إلی ابن زیاد فلا حاجة لی فیما تعطاه)(1).

والنص التاریخ یرشد إلی ما یلی:

1 - حینما یکون قتال حبیب بن مظاهر بالصفة التی ذکرها المؤرخون (فقاتل قتالاً شدیداً) یلزم أن یکون عدد القتلی لدی الخصم کبیراً ولیس رجلاً واحداً، ومما یدل علیه: تنازع الحصین بن تمیم وبدیل بن صریم علی حمل رأس حبیب أیهما یحمله أمام الناس إلی المستوی الذی طالب فیه الحصین بن تمیم وهو أمیر الشرطة وقائدها لدی ابن زیاد أن یحمل رأس حبیب ویعلقه فی عنق فرسه لهدف واحد وهو: أن یری الناس أنه شریک فی قتل حبیب، ولیس هو من قتل حبیب؛ فمجرد إشراکه فی قتله یحقق له الشهرة فی کونه البطل المقدام والفارس الهمام الذی شرک قتل حبیب.

وعلیه:

من کانت هذه حاله ورتبته بین الناس ترشد الذهن إلی أن حبیباً لیس

ص: 230

بالرجل الهین الذی یمکن النیل منه وقتله فقد عجز عن ذلک فرسان جیش الکوفة الذین جدلهم سیف حبیب بن مظاهر علیه الرحمة والرضوان.

2 - لا تزال معرکة الطف فی کل جزئیاتها تؤکد حقیقة الحرب العقائدیة وأن سید الشهداء علیه السلام فی کل هذه الجزئیات یظهر للناس وللتاریخ أنه یقاتل من أجل الإسلام وأنّ خصومه یقاتلونه لعقیدته ولیس لامتناعه عن مبایعة یزید بن معاویة.

وهذه المبارزة بین حبیب بن مظاهر وقائد شرطة الکوفة کان المحرک لها قول الحصین فی صلاة الإمام الحسین علیه السلام: إنها لا تقبل.

فرد علیه حبیب:

زعمت أن لا تقبل الصلاة من آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وتقبل منک یا حمار.

3 - إن من العجائب التی نطق بها النص التاریخی أن یقف الإمام الحسین علیه السلام یؤدی الفریضة فی أول وقتها وهو محاط بالسیوف والرماح والسهام من کل جانب، ولم یمنعه ذلک من أداء الفریضة فی أول وقتها.

4 - ومن العجائب أیضاً: أن جیش الکوفة لم یکفوا عن رمیه بالسهام وطعن الرماح وضرب السیوف وهو یصلی بمن بقی من أصحابه.

5 - إن الفارق بین المتأسلمین وبین المسلمین هو الصلاة، ولذا: صلی الحسین وأصحابه؛ ولم یصل عمر بن سعد وجیشه ولن یصلوا بعد عاشوراء.

ص: 231

وقد نحروا التکبیر والتهلیل.

6 - لما استشهد حبیب بن مظاهر رضوان الله علیه ورحمته، هد ذلک الإمام الحسین علیه السلام وقال عند ذلک:

«عند الله أحتسب نفسی وحماة أصحابی»(1).

وهذا یکشف عن عظیم منزلته عند الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم وحجته علی خلقه الإمام الحسین علیه السلام.

ص: 232

لقتال عتبة بن ربیعة وأخیه شیبة بن ربیعة، وابنه الولید بن عتبة؛ فلما قتل حمزة علیه السلام شیبة بن ربیعة، وقتل الإمام علی علیه السلام الولید بن عتبة، واختلف عبیدة ابن الحارث بن عبد المطلب، وعتبة بن ربیعة ضربتین، فضرب عبیدة بالسیف علی رأس شیبة بن ربیعة، وضرب شیبة ضربة فی رجل عبیدة، کلاهما أثبت صاحبه، وکر حمزة وعلی بأسیافهما علی عتبة فدففا علیه(1) واحتملا صاحبهما فحازاه إلی أصحابه(2).

أما أن یجری القتال بهذه الکیفیة التی ظهر فیها الحر بن یزید الریاحی وزهیر بن القین فکان إذا استلحم أحدهما تقدم إلیه صاحبه حتی یخلصه فهذا فرید فی نظام القتال عند المسلمین وهو یکشف عن استراتیجیة الهجوم والدفاع المزدوج.

2 - یشیر النص التاریخی إلی أن القتال استمر ساعة وهذا یکشف عن أن وقت خروجهما لم یکن قبل صلاة الظهر وإنما بعدها وإلاّ لزم أن یکونا قد انشغلا فی القتال فلم یلتحقا بصلاة الإمام الحسین علیه السلام وهذا محال، وذلک أن العقیدة التی کان أصحاب الإمام الحسین علیه وعلیهم السلام أجمعین یتعبدون بها هی اقتران طاعة الله بطاعة الإمام المعصوم ومن ثم لا یخالفونه فی أمر، فالجهاد لا یکتسب القبول من الله تعالی ما لم یأذن به مفترض الطاعة وهو حجة الله علی خلقه بعد أبیه وأخیه الإمام الحسین علیهم السلام أجمعین.

ص: 233

وعلیه:

یلزم النص التاریخی أن یکون خروج زهیر بن القین مع خروج الحر بن یزید الریاحی، هو الخروج الثانی له فی المعرکة، فکان الأول ضمن نظام المبارزة الفردیة وهذا غیر قتاله مع الفرسان ضمن قتال أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فی مراحل القتال التی مرّ بیانه سابقاً، فکان خروجه للقتال بعد أداء فریضة الظهر هو الخروج الثانی، أی إنهما صلیا مع من بقی من الأصحاب بإمامة سید الشهداء علیه السلام؛ وإنهما استشهدا بعد صلاة الظهر بساعة، وأن الذی استشهد قبل الصلاة وعند الزوال هو حبیب بن مظاهر الأسدی (علیه الرحمة والرضوان).

ص: 234

ولأن الحرب منذ تکوینها کانت ترتکز علی العقیدة فقد لزم من هؤلاء الصالحین أن یقدموا نفوسهم قرابین لعقیدتهم فکان تنافسهم فی الشهادة والتضحیة أمض أثراً وألماً فی نفوس أعدائهم من ضرب السیوف وطعن الرماح، وانجع فی تحقیق النصر علی الفکر الذی کان یحمله أعداء الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

فقد خلقت هذه الدماء الزکیة الآلاف، بل الملایین علی مر السنین أنصاراً للعقیدة التی اعتقد بها أصحاب الإمام الحسین علیه السلام.

من هنا:

یذکر المؤرخون هذه المعرکة فی مراحلها الأخیرة بقولهم:

(فلما رأی أصحاب الحسین أنهم قد کثروا - الأعداء من حولهم - وأنهم لا یقدرون علی أن یمنعوا حسیناً ولا أنفسهم تنافسوا فی أن یقتلوا بین یدیه - علیه السلام-)(1).

ولقد نقل التاریخ تلک الصورة الفریدة لأصحاب الحسین علیه السلام فی روحها القتالیة وتفانیها فی الدفاع عن عقیدتها فأخذوا یقاتلون مثنی وفرادی حتی استشهدوا جمیعاً بین یدی الإمام الحسین سلام الله علیهم أجمعین؛ أما کیفیة قتالهم فیمکن الوقوف عنده من خلال ذکر بعض هذه المشاهد لخروجهم للقتال.

ص: 235

ص: 236

القتال وتفاصیله وإنما اکتفوا بذکر صفة القتال بأنه (شدید).

ولما خرج زهیر وقف أمام سید الشهداء علیه السلام ووضع یده علی منکبه وهو یقول:

أقدم هدیت هادیاً مهدیاً

فالیوم تلقی جدک النبیا

وحسنا والمرتضی علیا

وذا الجناحین الفتی الکمیا(1)

وأسد الله الشهید الحیا

ودخل ساحة المعرکة یقدم أروع صور الفروسیة والقتال ویحصد بجیش السلطة کالنار فی الهشیم حتی استشهد بعد أن قتل مائة رجلٍ(2).

ص: 237

ولعل خصوصیة زهیر بن القین مع الرواة أنه کان ممن یظهر تعاطفه مع مقتل عثمان بن عفان فی المدینة وتجلی حبه ومودته لعترة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی کربلاء والجهاد فی سبیل الله من أجل نصرهم هو الذی دفع الرواة لکل هذا التعتیم.

والحال یسیر کذلک مع بقیة أصحاب الإمام الحسین علیه السلام، بل وکما أسلفنا مع المعرکة إجمالاً مما أدی إلی ضیاع تلک الصور المشرفة فی الحضارة الإنسانیة التی لم ولن تشهد مثل هذا التفانی والتمسک بالعقیدة.

وعلیه: فإن حال نافع بن هلال الجملی من حیث تسجیل مجریات قتاله أحسن حالاً من غیره فکانت سیرته کالآتی:

قال أبو مخنف وعنه ابن جریر الطبری: وکان نافع بن هلال الجملی قد کتب اسمه علی أفواق نبله فجعل یرمی بها مسمومة، وهو یقول:

أنا الجملی أنا علی دین علی، فقتل اثنی عشر من أصحاب عمر بن سعد سوی من جرح، قال فضرب حتی کسرت عضداه وأخذ أسیرا قال فأخذه شمر بن ذی الجوشن ومعه أصحاب له یسوقون نافعا حتی أوتی به عمر بن سعد فقال له عمر بن سعد: ویحک یا نافع ما حملک علی ما صنعت بنفسک؟

قال: إن ربی یعلم ما أردت.

قال: والدماء تسیل علی لحیته وهو یقول: والله لقد قتلت منکم اثنی عشر سوی من جرحت وما ألوم نفسی علی الجهد ولو بقیت لی عضد وساعد ما أسرتمونی.

ص: 238

فقال له شمر: اقتله أصلحک الله، قال: أنت جئت به فإن شئت فاقتله.

قال فانتضی شمر سیفه فقال له نافع: أما والله أن لو کنت من المسلمین لعظم علیک أن تلقی الله بدمائنا فالحمد لله الذی جعل منایانا علی یدی شرار خلقه، فقتله)(1).

والنص التاریخی یرشد إلی مجموعة نقاط، وهی:

1 - إن نافع بن هلال کان رامیاً مجرباً ومشهوراً فی دقة تصویبه للهدف وقد عرف جیش السلطة الأمویة هذه الشخصیة سواء علی قائد جیش السلطة أو علی مستوی بعض الجند کما دلت علیه المحاورة بین نافع وعمر بن سعد وغیرها.

2 - إن الطریقة التی استخدمها جیش السلطة الأمویة فی قتاله هو استخدامها لسلاح المقلاع، وقد وجهت الضربات علی ساعدیه وعضدیه فکسروهما.

3 - إن تولی شمر بن ذی الجوشن بقطع رأسه یکشف عن عقیدة شمر بن ذی الجوشن وأنه لیس من المسلمین.

4 - إن هؤلاء الأعداء الذین خرجوا لقتال الحسین علیه السلام وأهل بیته هم أشرار الخلق.

ومن الملاحظ أیضاً فیما رواه أبو مخنف والطبری وغیرهما أن من بقی من أصحاب الإمام الحسین علیه وعلیهم السلام اختاروا بین المبارزة الفردیة وبین المبارزة الثنائیة وذلک لعرض فنون القتال وإنزال أکبر عدد ممکن من الخسائر فی جیش السلطة.

ص: 239

ولذا:

فبعد أن برز نافع بن هلال البجلی واستشهاده برز إلی القتال الغفاریان والجابریان، ومن ثم یبرز بعدهم من بقی من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فرادی؛ فکان القتال یحمل فی کل صورة من صوره درساً جدیداً فی الروح القتالیة وفنون الفروسیة واتضاح ملامح الهویة العقائدیة، فکانت کالآتی:

ص: 240

الحسین علیه السلام متبعین فی ذلک إستراتیجیة کسب الحرب وخسران المعرکة فکانوا سلاحاً فتاکاً بهذه العقیدة القتالیة والروح العقدیة علی مر التاریخ لمحاربة الظلم والطاغوتیة.

وقد وصفهم النص التاریخی بقوله:

(وأتاه أصحابه مثنی وفرادی یقاتلون بین یدیه، وهو یدعو لهم، ویقول:

«جزاکم الله أحسن جزاء المتقین».

فجعلوا یسلمون علی الحسین ویقاتلون حتی یقتلوا)(1).

ومن هذه المشاهد فی القتال الثنائی:

ص: 241

ص: 242

وثمود، والذین من بعدهم وما الله یرید ظلماً للعباد ویا قوم إنی أخاف علیکم یوم التناد یوم تولون مدبرین ما لکم من الله من عاصم ومن یضلل الله فما له من هاد؛ یا قوم لا تقتلوا حسینا فیسحتکم الله بعذاب وقد خاب من افتری.

فقال له حسین: یا ابن أسعد رحمک الله إنهم قد استوجبوا العذاب حین ردوا علیک ما دعوتهم إلیه من الحق ونهضوا إلیک لیستبیحواک وأصحابک فکیف بهم الآن وقد قتلوا إخوانک الصالحین.

قال: صدقت جعلت فداک أنت أفقه منی وأحق بذلک؛ أفلا نروح إلی الآخرة ونلحق بإخواننا؟ فقال: رح إلی خیر من الدنیا وما فیها وإلی ملک لا یبلی.

فقال السلام علیک أبا عبد الله صلی الله علیک وعلی أهل بیتک وعرف بیننا وبینک فی جنته؛ فقال: آمین آمین.

فاستقدم فقاتل حتی قتل)(1).

وتکمن خصوصیة هذا النص التاریخی فی نقله صورة نقیة لعلة تجمع هذه الجیوش وقتالها للإمام الحسین علیه السلام وأصحابه؛ فضلاً عن بیانه لمجموعة من المعطیات الفکریة التی بنیت منها عقیدة هؤلاء النخبة من المسلمین.

ص: 243

وذلک أن الإنسان یکون فی المعرکة وفی خضم الحرب مجرداً من التمظهر بمظاهر الزیف والخداع بل تجبره الحرب أن یتصرف بعناصر شخصیته ونمط تفکیره.

وما ظهر عابس بن شبیب الشاکری فی ساحة المعرکة إلا لیقدم للبشریة معطیات فکریة عدیدة کشفها النص التاریخی الذی سجل لهذه الشخصیة هذه الصورة الجمیلة، فکانت کالآتی:

قال أبو مخنف:

(وجاء عابس بن شبیب الشاکری(1)، ومعه شوذب(2) مولی شاکر، فقال شوذب ما نفسک أن تصنع؟

قال: ما أصنع أقاتل معک دون ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله حتی أقتل، قال: ذلک الظن بک اما لا فتقدم بین یدی أبی عبد الله حتی یحتسبک کما

ص: 244

احتسب غیرک من أصحابه، وحتی أحتسبک انا، فإنه لو کان معی الساعة إحد أنا أولی به منی بک لسرنی أن یتقدم بین یدی حتی أحتسبه، فان هذا یوم ینبغی لنا ان نطلب الأجر فیه بکل ما قدرنا علیه، فإنه لا عمل بعد الیوم وانما هو الحساب.

قال فتقدم فسلم علی الحسین علیه السلام، ثم مضی فقاتل حتی قتل.

قال: ثم قال عابس بن أبی شبیب: یا أبا عبد الله أما والله ما أمسی علی ظهر الأرض قریب ولا بعید أعز علی ولا أحب إلی منک، ولو قدرت علی أن أدفع عنک الضیم والقتل بشیء أعز علی من نفسی ودمی لفعلته، السلام علیک یا أبا عبد الله اُشهد الله أنی علی هدیک وهدی أبیک، ثم مشی بالسیف مصلتا نحوهم وبه ضربة علی جبینه.

قال أبو مخنف - حدثنی نمیر بن وعلة عن رجل من بنی عبد من همدان یقال له ربیع بن تمیم شهد ذلک الیوم قال: لما رأیته مقبلا عرفته وقد شاهدته فی المغازی وکان أشجع الناس، فقلت: أیها الناس هذا أسد الأسود، هذا ابن أبی شبیب لا یخرجن إلیه أحد منکم، فأخذ ینادی ألا رجلٌ لرجل.

فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة، قال: فرمی بالحجارة من کل جانب، فلما رأی ذلک ألقی درعه ومغفره، ثم شد علی الناس فوالله لرأیته یکرد(1) أکثر من مائتین من الناس، ثم إنهم تعطفوا علیه من کل جانب فقتل.

قال: فرأیت رأسه فی أیدی رجال ذوی عدة هذا یقول: أنا قتلته، وهذا

ص: 245

یقول: أنا قتلته فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا هذا لم یقتله سنان واحد ففرق بینهم بهذا القول)(1).

وفی هذا النص التاریخی مجموعة من الحقائق، وهو کما یلی:

1 - أن أول سمة فی هذا الخروج هو المودة لآل البیت علیهم السلام التی بلغ هؤلاء الأصحاب أعلی مراتبها وهم فی ذاک کانوا مصداق قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یکون العبد مؤمناً حتی أکون أحب إلیه من نفسه ومن ولده وماله وأهله».

فقال بعض القوم یا رسول الله، إنا لنجد ذلک بأنفسنا، فقال علیه وآله الصلاة والسلام:

«بل أنا أحب إلی المؤمنین من أنفسهم».

ثم قال:

«رأیتم لو أن رجلا سطا علی واحد منکم فنال منه باللسان والید، کان العفو عنه أفضل أم السطو علیه والانتقام منه؟».

فقالوا: بل العفو، یا رسول الله، فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«أفرأیتم لو ان رجلا ذکرنی عند أحد منکم بسوء وتناولنی بیده کان الانتقام منه والسطوة علیه أفضل أم العفو عنه؟».

ص: 246

قالوا: بل الانتقام منه أفضل، قال صلی الله علیه وآله وسلم:

«فأنا إذن أحب إلیکم من أنفسکم»)(1).

ولا شک أن هؤلاء الأصحاب قد بذلوا أنفسهم فی الدفاع عن ریحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وذلک لأن الإیمان امتزج بلحمهم ودمهم فکان النبی صلی الله علیه وآله وسلم؛ وعترته أهل بیته علیهم السلام أحب إلیهم من أنفسهم ومن ولدهم ومالهم والناس أجمعین، کما وصفهم النبی صلی الله علیه وآله وسلم بلفظ آخر، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی، عن أبیه، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یؤمن عبد حتی أکون أحب إلیه من نفسه، وأهلی أحب إلیه من أهله، وعترتی أحب إلیه من عترته، وذاتی أحب إلیه من ذاته»(2).

وفی لفظ آخر أخرجه البخاری، وأحمد عن أنس بن مالک، قال، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا یؤمن أحدکم حتی أکون أحب إلیه من ولده ووالده والناس أجمعین»(3).

وهذه الرتبة الإیمانیة نطق بها عابس بن شبیب قولاً وعملاً ولذا قال للإمام الحسین علیه السلام:

ص: 247

(یا أبا عبد الله أما والله ما أمسی علی ظهر الأرض قریب ولا بعید أعز علیّ ولا أحب إلیّ منک، ولو قدرت أن أدفع عنک الضیم والقتل بشیء أعز علیّ من نفسی ودمی لفعلته).

2 - إن سنام الروح القتالیة والمعنویة التی علیها هؤلاء الأصحاب ولاسیما عابس بن شبیب هی التوحید المحمدی فهؤلاء وحّدوا الله توحیداً محمدیاً علویاً وساروا بهدیه، ولذا قال عابس للإمام الحسین علیه السلام مجاهراً للتأریخ أن هذه عقیدته الذی استشهد من أجلها، فقال:

(السلام علیک یا أبا عبد الله أشهد الله أنی علی هدیک وهدی أبیک)، ثم مشی بالسیف مصلتا نحوهم وبه ضربة علی جبینه.

3 - من السمات التی سجلها التاریخ لهؤلاء الرجال بکل ما للکلمة من معنی؛ هی: الصدق، فهؤلاء الأصحاب قد صدقوا الله فی أنفسهم فانبری صدقهم واقعاً عملیاً فی الحیاة سواء کان ذلک قبل المعرکة أم حینها.

فقد سجل التاریخ لعابس بن شبیب وغیره هذه الصفحة، أی الصدق، وذلک حینما دخل مسلم بن عقیل الکوفة وبدأ بأخذ البیعة من أهلها للإمام الحسین علیه السلام، وفی ذلک یروی الطبری:

(لما ورد مسلم بن عقیل الکوفة، ونزل دار المختار بن أبی عبید، وأقبلت الشیعة تختلف إلیه، فقام عابس بن شبیب الشاکری فحمد الله وأثنی علیه، ثم قال:

(أما بعد فإنی لا أخبرک عن الناس، ولا أعلم ما فی أنفسهم، وما أغرک منهم، والله أحدثک عما أنا موطن نفسی علیه:

ص: 248

والله لأجیبنکم إذا دعوتم، ولأقاتلن معکم عدوکم، ولأضربن بسیفی دونکم حتی ألقی الله لا أرید بذلک إلا ما عند الله. فقام حبیب بن مظاهر فقال: رحمک الله قد قضیت ما فی نفسک بواجز من قولک، ثم قال: وأنا والله الذی لا إله إلا علی مثل ما هذا علیه)(1).

ومن هنا:

نجد أن الإمام الحسین علیه السلام کان یتبعهم حینما یستشهد أحدهم بقوله تعالی:

((مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَی نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیلاً))(2).

4 - امتاز النص التاریخی الراوی کیفیة خروج عابس بن شبیب بمرونة فی نقل الصورة القتالیة بعکس ما دأب علیه الرواة فی إخفاء کثیر من مظاهر القتال، ولعل عثور أبی مخنف علی أحد الرواة الذی سمع من أحد الشهود الذین حضروا المعرکة وتأثره شخصیاً بعابس حینما کان یرافقه فی الغزوات والفتوحات الإسلامیة هو الذی دفعه للحدیث فی نقل هذه الصورة عن قتال عابس بن شبیب کما هو واضح فی روایة أبی مخنف قائلاً:

(حدثنی نمیر بن وعلة عن رجل من بنی عبد بن همدان یقال له ربیع بن تمیم شهد ذلک الیوم، قال:

ص: 249

لما رأیته مقبلاً عرفته وقد شاهدته فی المغازی وکان أشجع الناس، فقلت: أیها الناس هذا أسد الأسود، هذا ابن أبی شبیب لا یخرجن إلیه أحد منکم.

فأخذ ینادی ألا رجل لرجل.

فقال عمر بن سعد:

ارضخوه بالحجارة قال: فرمی بالحجارة من کل جانب، فلما رأی ألقی درعه ومغفرته، ثم شد علی الناس؛ فو الله لرأیته یکرد أکثر من مائتین من الناس؛ ثم أنهم تعطفوا علیه من کل جانب فقتل.

قال:

فرأیت رأسه فی أیدی رجال ذوی عدة، هذا یقول: أنا قتلته، وهذا یقول أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال:

لا تختصموا هذا لم یقتله سنان واحد؛ ففرق بینهم بهذا القول)(1).

5 - مرة أخری یفید النص التاریخی باستخدام جیش السلطة لسلاح المقلاع فی المعرکة فقد واجه الجیش هذا الفارس برمیه بالحجارة کما قرر القائد العام لجیش السلطة التی لم تستطع أن توقف تقدمه نحو المعسکر، بل زادته شجاعة وعزیمة وهو الذی یسوق أکثر من مائتین من الناس علی القتال، ولا شک أن الذی یسوق بسیفه هذا العدد من الجند قد أوقع فیهم خسائر لا قبل للرواة فی إحصائها.

ومما یدل علیه:

ص: 250

ألف: قول الراوی: فرأیت رأسه فی أیدی رجال ذوی عدة؛ أی من خیرة جیش السلطة الأمویة المخصوصین بالعدة القتالیة والفروسیة.

باء: تنازع الفرسان فی قتله وذلک للتفاخر بین الناس بأنهم قتلوا أسد الأسود.

جیم: قول عمر بن سعد: هذا لم یقتله سنان واحد؛ أی استخدام الرماح فی قتله، أی لا یستطیعون مبارزته، ومحصله: إنهم استخدموا جمیع الأسلحة فی قتله من الحجارة والرماح إلی السهام وغیرها، فکان أحد مفاخر الحرب إن کان للحرب رجالها.

ص: 251

«اللهم بیّض وجهه وطیّب ریحه واحشره مع محمد صلی الله علیه وآله وسلم وعرّف بینه وبین آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم».

فکان من یمر بالمعرکة یشم منه رائحة طیبة أذکی من المسک(1).

ص: 252

إنی عجوزفی النسا ضعیفة

خاویة بالیة نحیفة

أضربکم بضربة عنیفة

دون بنی فاطمة الشریفة

فردها الحسین علیه السلام إلی الخیمة بعد أن أصابت بالعمود رجلین(1).

ص: 253

ص: 254

عن منهجه البحثی.

إلاّ أننا توصلنا من خلال هذه الدراسة إلی أن المعرکة بعد استشهاد جمیع أصحاب الإمام الحسین علیه السلام ولم یبق سوی آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم وتقدمهم للشهادة دون أن یرعی القوم لله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم حرمة فإن المعرکة وصلت إلی مرحلة جدیدة تحولت فیها إلی التعری العقدی وهو ما سنعرض له فی المسألة القادمة.

ص: 255

ارتبطت بالله عزّ وجل.

إلاّ أنهم یزدادون عتواً وطغیاناً وهو ما جری فی معرکة الطف لتأخذ هذه السنّة التاریخیة استحقاقها من هذه الأمة؛ ولیقضی الله أمراً کان مفعولاً، فأرادوا القضاء علی الإسلام ونبیّه صلی الله علیه وآله وسلم فأحیاه الله بهذه الدماء الزکیة فی قلوب کثیر من خلقه فتحقق هدف الإصلاح وانتصر حجة الله تعالی وخسرت السلطة وعقیدتها، حینما تعرت بقتلها ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مع أهل بیته وإخوانه وبنی عمومته حتی طفله الرضیع.

فضلاً عن التمثیل بالجثث وتقطیع الرؤوس وسلب الأبدان وسبی بنات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد تسلیبهن وحملهن من بلد إلی بلد یتصفح وجوههن المسلم والکافر والسید والعبد وکأنهن من أهل الدیلم أو الأعاجم لا تربطهن بالإسلام ونبیه رابطة.

فکانت هذه الحالة التی علیها بنات النبوة وما قامت به ابنة علی وفاطمة علیهما السلام من مواصلة الحرب علی الفساد وضرب رکائزه فی السلطة والمجتمع فی الکوفة والشام أمضی أثراً فی إحراز النصر من آلاف السیوف والرماح، فقد انهارت السلطة وقامت العقیدة الإسلامیة الصحیحة وحفظ الله دینه وأتم حجته(1).

ص: 256

ولم یشهد التاریخ الإنسانی معرکة قد حققت أهدافها فی النصر الحاسم علی خصومها مثلما حققت معرکة الطف.

ولم یشهد التاریخ الإنسانی معرکة تدوم حرکة قتالها وتتجدد رموزها فی کل زمان ومکان مثلما أنتجته معرکة الطف.

فکانت استراتیجیاتها العسکریة والحربیة والإصلاحیة فریدة کفرادة مفرداتها ورموزها وقیمها وعبرها وعبراتها وثوابها وعقابها وکأن الله تعالی لم یخلق مثلها؛ کما لم یخلق مثل محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

بقیت لنا فی هذه المسألة جملة من الأمور ینبغی التوقف عندها، وهی:

ص: 257

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والمتلازمة بأهل بیته وذریته وإن انتهاک هذه الحرمة سیؤدی إلی عواقب وخیمة علی مر التاریخ، عواقب لا یمکن تصحیحها أو التخفیف من آثارها.

ولذا: نجده علیه السلام حینما برز للقتال ولده علی الأکبر والذی یکنی بأبی الحسن، فإن أول أمر فعله الإمام الحسین علیه السلام وذکر الناس به وحذر منه هو حرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما ترشد إلی ذلک النصوص التاریخیة.

فقد روی ابن أعثم الکوفی (المتوفی 314ه_) خروج علی بن الحسین علیهما السلام فقال:

(ثم تقدم من بعده علی بن الحسین - علیه السلام - وهو یومئذ ابن ثمانی عشرة سنة، فتقدم نحو القوم، ورفع الحسین شیبته نحو السماء، وقال:

«اللهم اشهد علی هؤلاء القوم فقد برز إلیهم غلام أشبه القوم خلقاً وخلقاً ومنطقا برسولک محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فامنعهم برکات الأرض، فإن متعتهم إلی حین ففرقهم تفریقاً، وأقطعهم قطعاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لینصرونا ثم عدوا علینا یقاتلوننا».

قال: ثم صاح الحسین علیه السلام بعمر بن سعد بن أبی وقاص، فقال:

«مالک قطع الله رحمک، ولا بارک لک فی أمرک، وسلط علیک من بعدی من یذبحک علی فراشک، کما قطعت رحمی، ولم تحفظ قرابتی من محمد صلی الله علیه وآله وسلم».

ص: 258

ثم رفع الحسین علیه السلام صوته وقرأ:

((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَی آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ (33) ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ))(1))(2).

ولا شک أن هذا التعامل الذی کشفه النص التاریخی فی خروج علی الأکبر ترک أثراً فعالاً فی تجنید الفکر نحو القرآن والعترة النبویة.

ص: 259

«یا بنی قاتل قلیلاً فما أسرع ما تلقی جدک محمداً صلی الله علیه وآله وسلم فیسقیک بکأسه الأوفی».

قال: فرجع علی بن الحسین إلی الحرب، وهو یقول:

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله رب العرش لا نفارق

جموعکم أو تغمدوا البوارق

ثم حمل، فلم یزل یقاتل حتی قتل)(1).

وإن کان ابن أعثم الکوفی قد أعرض عن ذکر مقتل علی الأکبر علیه السلام فإن أبا مخنف الأزدی (المتوفی 158ه_) قد روی ذلک فقال: (ففعل ذلک مراراً - أی حینما کان یشد علی الناس - فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدی علیه لعنة الله فقال: علیّ آثام العرب إن مرّ بی یفعل ما کان یفعل إن لم أثکله أباه، فمر یشد علی الناس بسیفه، فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه، فصرع، واحتوله الناس فقطعوه بأسیافهم.

قال أبو مخنف: حدثنی سلیمان بن أبی راشد عن حمید بن مسلم الآزری، قال: سماع أذنی یومئذ الحسین یقول:

«قتل الله قوما قتلوک، یا بنی ما أجرأهم علی الرحمان، وعلی انتهاک حرمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم! علی الدنیا بعدک العفا»)(2).

والملاحظ فی هذین النصین التاریخیین، أمور:

ص: 260

1 - بیان حرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی انتهکتها السلطة الأمویة ومن أسس لقیامها من قبل، فهذه کبد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم التی طعنت ونفسه التی أزهقت ودمه الذی سفک.

2 - إن قتال علی الأکبر علیه السلام کان فریداً فی ممارسته ورباطة جأشه، ولا شک أن الصورة التی نقلها الرواة عن هذا القتال لغنیة عن البیان، فأی کلام یغتزل معانی تلک الحملات التی عبر عنها الراوی بقوله:

(فلم یزل یقاتل حتی ضج أهل الشام من یده، ومن کثرة من قتل منهم) (1).

3 - إن طریقة قتله تکشف عن حقیقة هذه النفوس التی تجردت عن جمیع القیم الإنسانیة والأخلاقیة والدینیة.

4 - لا شک أن هذه الفاجعة قد حشدت جمیع الإمکانیات الوجدانیة منذ وقوعها وإلی یومنا هذا، بل ولم ولن تنتهی مما حقق الانتصار علی العدو.

ص: 261

فقاتل حتی قتل ثمانیة وتسعین رجلاً بثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبیح الصیداوی وأسد بن مالک)(1).

وتکشف أبیاته التی ارتجزها عند خروجه للقتال عن التمایز فی الصفات بین المعسکرین سواء کانت هذه الصفات دینیة أو أخلاقیة أو نشأویة وفطریة.

فضلاً عن ذلک فقد کان قتاله ضمن هذه الحملات الثلاثة یکشف عن تمرسه وفروسیته وروحه القتالیة.

ص: 262

2 - محمد بن عبد الله بن جعفر الطیار، وأمه الخوصاء.

3 - عبد الرحمن بن عقیل بن أبی طالب.

4 - جعفر بن عقیل بن أبی طالب.

5 - محمد بن مسلم بن عقیل بن أبی طالب.

6 - عبد الله بن عقیل بن أبی طالب.

فهؤلاء استشهدوا جمیعاً فی هذه الحملة؛ أما سمة قتالهم فقد أظهرت فصول الدراسة أن الإمام الحسین علیه السلام لم یخرج فی نظام القتال عن سیرة جده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبیه علیه السلام بین المبارزة الفردیة ونظام الصف المستقیم.

فضلاً عن ذلک فقد أشارت بعض المصادر التاریخیة إلی کیفیة استشهادهم دون أن تشیر إلی أنهم خرجوا فی حملة واحدة ولعل الأمر لا یعد فرقاً فی الإستراتیجیة القتالیة وقد قتل جمیع أصحاب الإمام الحسین علیه السلام وقلة من بقی من أهل بیته وهم یتسارعون للشهادة.

ص: 263

السلام وهو الوحید الذی أصیب فی المعرکة ولم یستشهد بعد أن قطعت یده الیمنی وأصابته ثمانی عشرة جراحة وذلک أن أخواله کانوا ضمن معسکر عمر بن سعد فاستشفعوا فیه من أمیر الجند فسلمه إلیهم.

2 - محمد بن علی بن أبی طالب ویکنی بأبی بکر.

3 - عبد الله الأکبر ابن الحسن بن علی بن أبی طالب.

4 - القاسم بن الحسن بن علی بن أبی طالب وهو غلام لم یبلغ الحلم.

وقد هد مصرعه عمه الإمام الحسین علیه السلام وکان قد استغاث به فجاءه الإمام الحسین علیه السلام وهو یفحص برجلیه فقال الإمام الحسین علیه السلام:

«بعداً لقوم قتلوک ومن خصمهم یوم القیامة فیک جدک وأبوک».

ثم قال:

«عزّ والله علی عمک أن تدعوه فلا یجیبک أو یجیبک ثم لا ینفعک؛ صوت والله کثر واتره، وقل ناصره».

ثم حمل علیه السلام الغلام علی صدره حتی ألقاه بین القتلی من أهل بیته)(1).

5 - عبد الله بن علی بن أبی طالب.

6 - عثمان بن علی بن أبی طالب.

7 - جعفر بن علی بن أبی طالب.

ص: 264

وهم أخوة العباس بن علی بن أبی طالب علیهما السلام وأمهم السیدة أم البنین علیهم أجمعین أفضل الصلاة والسلام، وقد استشهدوا جمیعاً ولم یبق مع الإمام الحسین علیه السلام سوی أخیه العباس بن علی بن أبی طالب علیه السلام وهو حامل اللواء.

ص: 265

ویمکن لنا الوقوف عند أهمیة اللواء فی الجیش والمعرکة من خلال وصیة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام إلی قادة جیشه فقال:

«ورایتکم فلا تمیلوها ولا تخلوها ولا تجعلوها إلا بأیدی شجعانکم والمانعین الذمار منکم، فإن الصابرین علی نزول الحقائق هم الذین یحفون برایاتهم، ویکتنفونها حفافیها ووراء ها وأمامها لا یتأخرون عنها فیسلموها، ولا یتقدمون فیفردونها»(1).

وهذا النص الشریف یظهر دور اللواء فی المعرکة وآثاره علی المعسکرین بحد سواء فأما علی معسکر أهل الإیمان فقد أوصی علیه السلام بالالتفاف حول اللواء وأن یحرصوا علی عدم إمالتها بل ترفع بشکل مستقیم وذلک لما تدل من تماسک الجند وانقیاده للقائد وهذا یترک أثراً معنویاً علی العدو فضلاً عن أصحاب اللواء.

ولذا:

أوصی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام بأن لا تجعل الرایة إلا بأیدی رجال لهم صفات محددة لما یترتب علی حرکتهم وتنقلهم فی المعرکة من آثار لکلا المعسکرین، وهذه الصفات، هی:

1 - الشجاعة المعروفة بین الجند، لقوله علیه السلام:

«ولا تجعلوها إلا بأیدی شجعانکم».

2 - المانعین الذمار؛ وهم الذین عرفوا بحفظ الأعراض والأموال.

ص: 266

والعلة فی هاتین الصفتین تکمن فی انعکاسها علی الجند، وذلک:

أ: إن الجند الذین یصبرون علی نزول الموت فی المعرکة هم الذین یحفون بالرایة.

ب: وإنهم یتحرکون تحت ظلها وحرکتها حینها ترفرف فیکونون مع الرایة مرة أمامها وأخری وراءها.

ج: لا یتأخرون عنها فیسلمونها للعدو.

د: ولا یتقدمون علیها فیجعلونها فریدة فی ساحة المعرکة.

وهذه الوصایا والتعلیمات ترکز علی أمرٍ فی غایة الأهمیة، وهو: أن اللواء هو قطب المعرکة وموضع کاشفیة المقاتلین وطبیعة روحهم المعنویة مما یحقق آثاراً عدیدة فی سیر المعرکة.

من هنا:

فإن إعطاء الإمام الحسین علیه السلام اللواء لأخیه العباس علیه السلام یدل علی تلک الخصوصیات التی حددها الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهما السلام فی وصیته لقادة الجیش، وانحصارها فی شخص أبی الفضل العباس علیه السلام فضلاً عما تمیز به من خصائص عدیدة کشفها حاله فی المعرکة حینما برز إلی القوم وقد قصد فی بادئ الأمر جلب الماء من نهر الفرات إلی عیال أخیه من النساء والأطفال.

إذ لیس بالأمر الیسیر أن یستطیع رجل واحد أن یکشف خمسمائة فارس

ص: 267

کانوا موکلین بحفظ ماء الفرات بقیادة عمرو بن الحجاج وهو صاحب میمنة جیش السلطة الأمویة، وقد مر علینا فی البحث الدور الممیز له فی قتال الحسین علیه السلام وقد حرص حرصاً شدیداً لمنع الحسین علیه السلام وأصحابه من الوصول إلی الماء؛ وبخاصة أن هذا الفعل قد تکرر مرتین فی کربلاء، أی: إن أبا الفضل کشف هذا العدد وأزاحهم عن نهر الفرات مرتین.

فکانت الأولی فی الیوم السابع من المحرم أی قبل وقوع المعرکة بثلاثة أیام(1).

والأخری کانت یوم العاشر حینما طلب منه الإمام الحسین علیه السلام أن یجلب لهؤلاء النساء والأطفال شربة من الماء.

ولهذه العلة نجد أن الإمام الحسین علیه السلام لم یأذن لأبی الفضل فی یوم العاشر فی التقدم للقتال؛ أی بمعنی:

إن العادة جرت فی الجیوش أن یکون حامل اللواء فی قلب المعرکة لما مرّ بیانه من توصیات لأمیر المؤمنین علی علیه السلام لقادة جیشه فی خصائص اللواء وحامله، ومن ثم یترکّز دوره فی المعرکة؛ فی حین نجد أن الإمام الحسین علیه السلام قد أخر فی خروج أبی الفضل علیه السلام فما هی الحکمة فی ذلک؟

وجوابه من نقاط:

ص: 268

1 - إن الإمام الحسین علیه السلام مع مراعاته لتلک الوصایا التی سمعها من أبیه علیهما السلام إلا أن معرکته لم تکن هجومیة منذ بدء وقوعها سوی بعض الاستثناءات التی اقتضتها تکتیکات المعرکة کما مر بیانه، ولذا: کانت المصلحة الحربیة تقتضی تأخیر خروج حامل اللواء.

2 - إن أصحاب الإمام الحسین علیه السلام هم من الأساس کانوا جامعین ومحرزین لکل صفات الروح القتالیة والإیمانیة فلم یر أحد مثلهم لا من قبلهم ولا من بعدهم فهم بهذه الحالة یصبح کل واحد منهم جیشاً بحد ذاته وأمة کما کان إبراهیم علیه السلام أمة فی نفسه، ولذا: نجد أن الإمام الحسین علیه السلام قد أثنی علیهم بقوله:

«إنی لا أعلم أصحاباً أوفی ولا خیراً من أصحابی ولا أهل بیت أبر ولا أوصل من أهل بیتی فجزاکم الله خیراً».

3 - فی جمیع المعارک یبقی اللواء دلیل قیام الجیش وعدم انکساره وهزیمته، فإذا سقط اللواء کان ذلک له تأثیراً علی العسکرین بالهزیمة والانکسار ولذا: کان المسلمون یحرصون أشد الحرص علی عدم سقوط الرایة فی المعرکة لهذه العلة.

ومن هنا:

حرص أبو الفضل العباس علیه السلام بحفظ اللواء وعدم سقوطه حینما ذهب لجلب الماء من نهر الفرات فقد قطعت یده الیمنی فحمل اللواء بما بقی له من عضد وأخذ السیف بالید الیسری یقاتل به ثم کمنوا له مرة أخری فقطعوا یده

ص: 269

الیسری فانحنی علی اللواء کی لا یسقط فضرب بعمود من حدید علی رأسه.

وهذه الصورة لم تکن بالغریبة علی آل أبی طالب، فبالأمس کان عمه جعفر بن أبی طالب شهید مؤتة حاملاً للواء الإسلام فی قتال الروم فقطعت یداه فحمل اللواء بما بقی من عضدیه ثم طعن فسماه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذی الجناحین یطیر بهما فی الجنة(1).

وهکذا هو أبو الفضل العباس علیه السلام کان کعمه فی ساحة المعرکة فضلاً عما کان یدافع من أجله، فهناک کان جعفر یقاتل لنشر الإسلام وهنا یدافع أبو الفضل عن کل الإسلام، عن التوحید والنبوة والإمامة، والرجولة بکل ما بالکلمة من معنی؛ فضلاً عن الجوانب الإنسانیة والأخلاقیة فی حمل الماء للنساء والأطفال ومنع نفسه من التذوق بقطرة من هذا الماء إیثاراً لأخیه وإمامه الغریب الوحید الذی تحیط به الأطفال المذعورة والنساء المذهولة.

4 - إن ما کان یتمتع به أبو الفضل العباس علیه السلام من سمات القیادة والفروسیة والبأس والشدة والقوة التی جربها الأعداء من قبل حینما کشف میمنة جیش السلطة الأمویة وهم لم تنهکهم المعرکة بعد ولم یتصوروا أن یتقهقروا بهذا الشکل حینما برز إلیهم أبو الفضل وقد تکاملوا خمسمائة فارس کان ذلک بحد ذاته یشکل نصراً استراتیجیا وقوة مساندة لسید الشهداء علیه السلام.

وعلیه:

نجده علیه السلام قال لما استشهد العباس:

ص: 270

«الآن انکسر ظهری وشمت بی عدوی»(1).

5 - إن ما یتمتع به حجة الله تعالی من خلق نبوی یمنعه من ترک النساء دون حمیً؛ ولذا: کان من الحکمة أن یؤخّر الإمام الحسین علیه السلام خروج أبی الفضل؛ کی لا تبقی النساء غرضاً للهجوم حینما کان یتحرک الإمام الحسین علیه السلام فی المعرکة بین التوجیه لأصحابه وبین تلبیة نداء بعض أصحابه وأهل بیته حینما یسقطون علی الأرض وهم یحرصون علی تودیعه فی هذه اللحظات الأخیرة وأن تغمض عیونهم فی وجهه الکریم.

فهذه الأسباب وغیرها جعلت الإمام الحسین علیه السلام یؤخر فی خروج حامل اللواء أبی الفضل العباس علیه السلام إلی هذا الوقت من المعرکة ولذا: ترک استشهاده ألماً عظیماً فی قلب ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فبموته بقی الحسین علیه السلام وحیداً بکل ما للکلمة من معنی ودلالة؛ فقد سقط اللواء.

ولم یبق أمامه إلا ملاقاة القوم بنفسه المقدسة لإحیاء دین جده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی تکالب علی نهشه کلاب الوثنیة وذئاب النفاق، فقد آن الوقت لفدی الدین بذبح عظیم؛ وهو الذی هیأه جده من قبل لهذا الیوم فأعد له عدته من الأهل والأصحاب حتی الطفل الرضیع ونفسه المقدسة.

لکنه مع کل هذا کانت له عدته القتالیة التی توازی هذه المجامیع من بنی الضلالة والنفاق، فکانت کالآتی، کما فی (ثالثاً).

ص: 271

ص: 272

ص: 273

وهجومه مفرداً مما یتطلب تکتیکاً خاصاً وقدرة فریدة فی القتال لا یمکن إنجازها إلا لمن کانت قوته إلهیة.

وعلیه:

فیذکر المؤرخون: بأنه صلوات الله وسلامه علیه حینما نزل إلی ساحة المعرکة (دعا الناس إلی البراز فلم یزل یقتل کل من برز إلیه حتی قتل جمعاً کثیراً.

ثم حمل علی المیمنة وهو یقول:

الموت أولی من رکوب العار

والعار أولی من دخول النار

وحمل علی المیسرة وهو یقول:

أنا الحسین بن علی

آلیت أن لا أنثنی

أحمی عیالات أبی

أمضی علی دین النبی(1)

وقد وصف قتاله عبد الله بن عمار فقال:

(ما رأیت مکثوراً قط قد قتل ولده وأهل بیته وصحبه أربط جأشاً منه ولا أمضی جناناً ولا أجرأ مقدماً ولقد کانت الرجالة تنکشف بین یدیه إذ شد فیها ولم یثبت له أحد)(2).

وفی لفظ آخر رواه حمید بن مسلم قائلاً:

(وسمعته یقول قبل أن یقتل وهو یقاتل علی رجلیه قتال الفارس الشجاع

ص: 274

یتقی الرمیة ویفترص العورة ویشد علی الخیل وهو یقول:

«أعلی قتلی تحاثون، أما والله لا تقتلون بعدی عبداً من عباد الله، أسخط علیکم لقتله منی، وأیم الله إنی لأرجو أن یکر منی الله بهوانکم، ثم ینتقم لی منکم من حیث لا تشعرون؛ أما والله لو قتلتمونی لقد ألقی الله بأسکم بینکم وسفک دماءکم، ثم لا یرضی بذلک منکم حتی یضاعف لکم العذاب الألیم»)(1).

ولا شک أن هذه إحدی حالات قتاله یوم عاشوراء بین أن یکون راجلاً وفارساً حتی سقط عن فرسه فی آخر أمره صلوات الله وسلامه علیه.

ص: 275

ولذا: أدرک عمر بن سعد أن قواته العسکریة شارفت علی الانهیار أو القیام بالانقلاب علی القیادة فسارع إلی مخاطبة الناس فصاح فیهم:

(هذا ابن الأنزع البطین، هذا ابن قتال العرب، احملوا علیه من کل جانب، فأتته أربعة آلاف نبلة)(1).

وقد التجأ عمر بن سعد إلی هذا النوع من الخطاب معتمداً علی بعض المعطیات الفکریة التی تجمع الجند علی هدف واحد وهو الإقدام علی قتل الحسین لاجتماع عناصر متعددة لقتله، فهی:

1 - عنصر البغض العقدی لعلی بن أبی طالب علیه السلام ویرتکز علی النفاق، فهذا ابن الأنزع البطین، ابن علی بن أبی طالب علیه السلام الذی یجمعهم بغضه وهو سبب کان لقتل ولده.

2 - العنصر العشائری فی الانتقام ممن قتل أبوه العرب فعلی بن أبی طالب علیه السلام تطالبه العرب الدم لکونه قتل أبناءهم وأخوانهم وآباءهم وأجدادهم فی حروبه مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فکان یقاتل تحت لواء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو فی حروبه الثلاث فی الجمل وصفین والنهروان، وهذا أیضاً سبب کاف للانتقام من الحسین علیه السلام لأن أباه قتال العرب.

وعلیه:

أعطی هذا الخطاب ثماره السریعة فقد رموا الإمام الحسین علیه السلام مباشرة بأربعة آلاف نبلة إلا أن هذه المکیدة لم تفلح بجمیع الاتجاهات؛ إذ إنها

ص: 276

لا تدعو فقط إلی قتل الإمام الحسین علیه السلام وتوحد الجیش علی هذا الهدف وإنما تدعوا إلی التعرض إلی بنات علی بن أبی طالب علیه السلام، ولذلک أدرکها الإمام الحسین علیه السلام وأجهضها من الناحیة الحربیة والنفسیة والعقدیة بخطاب آخر؛ إذ القوم یقاتلون للآن علی عقیدة الجاهلیة فی الانتقام ممن قتل الآباء والأبناء فخاطبهم بلغتهم کی یکفهم عن التحرض للنساء فأرجعهم إلی النداء الذی اجتمعوا من حوله وهو القومیة والعشائریة.

فصاح بهم:

«یا شیعة آل أبی سفیان إن لم یکن لکم دین وکنتم لا تخافون المعاد، فکونوا أحراراً فی دنیاکم وأرجعوا إلی أحسابکم وأنسابکم إن کنتم عرباً کما تزعمون».

فناداه شمر بن ذی الجوشن:

ما تقول یا ابن فاطمة؟ قال:

«أنا الذی أقاتلکم والنساء لیس علیهن جناح فامنعوا عتاتکم عن التعرض لحرمی ما دمت حیا».

فقال الشمر: لک ذلک)(1).

ولا یخفی ما لهذا الفعل من آثار مستقبلیة علی الفکر الإنسانی علی مر العصور لاسیما أصحاب الحمیة والغیرة والرجولة، ومن ثم قد حققت نصراً فی حربه ضد الفساد وإحیاء الضمائر وتحریر العقول من قیود الجاهلیة والعبودیة

ص: 277

للجهل والنفس والسلطة والمال والجاه فخلق الأحرار فی العالم، ولذا کان من کناه المشهورة (أبو الأحرار).

ص: 278

فما کان من هذه المعرکة إلا لتکشف حقیقة هذه السلطة وتهاوی رکائزها التی أقیمت علیها وأنها لا تمت بأی صلة إلی القرآن والسنة المحمدیة؛ بل اتضح أنها استوظفت الإسلام لغرض الإمارة والملک والتحکم بالبلاد واستعباد العباد.

وهذه النتائج ما کانت لتظهر لولا معرکة عاشوراء وما جری فیها من استراتیجیات لتجنید الفکر باتجاه الإسلام المحمدی الصحیح الذی جاهد وکافح وبلغ وأنذر من أجله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وأهل بیته الذین قدموا أنفسهم فی سبیل تصحیح هذه العقیدة ورجوع المسلمین إلی القرآن والسنة المحمدیة اللذین نصا علی التمسک بالعترة النبویة؛ لأنها السبیل الوحید إلی معرفة القرآن وما جاء به النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

من هنا:

جاءت معرکة الطف لتضع استراتیجیاتها الحربیة ضد الفساد والظلم والبدع وبناء أسس الإصلاح والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وإن هذه السلطة ورموزها بقتلها آل النبوة بهذه الوحشیة وتجاهرها بحرب الله تعالی ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم تکون قد تعرت أمام جمیع المسلمین ممن کانوا یؤمنون بالإسلام حقاً وبما جاء به القرآن والنبی صلی الله علیه وآله وسلم ولیس الذین تأسلموا لقتل الإسلام وأهله.

ص: 279

بمعنی:

أن معرکة عاشوراء قدمت الأدوات والوسائل المختلفة التی من خلالها یستطع کل إنسان عاقل أن یستخدمها لمعرفة الحق من الباطل ومعرفة الإسلام الذی جاء به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، لیس الإسلام الذی جاء به الحکام الذین جلسوا مجلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بدون نص إلهی ونبوی معتمدین علی السبل للمجیء بعقیدة جدیدة لا تحمل من الإسلام إلا الاسم ومن التوحید إلا التکبیر الذی یتعالی عند قطع رأس سید شباب أهل الجنة وریحانة سید الخلق صلی الله علیه وآله وسلم.

فأی إله هذا الذی یکبرون به ورأس سید شباب جنته مرفوع علی رمح طویل؛ وأی إله هذا الذی یکبرون به ورحم سید من بعث الله من الأنبیاء والمرسلین مذبوح من الورید إلی الورید، وهو طفل لم یبلغ من العمر ستة أشهر؟!

إنها أسئلة کثیرة أجابت عنها معرکة عاشوراء فجنّدت الفکر ضمن معطیات القرآن والسنة المحمدیة فحفظتها من الانهیار، بعد أن جهدت السلطة خلال نصف قرن من إعمال کل الوسائل فی تغییر المعطیات الفکریة التی جاء بها الإسلام(1)؛ حتی تمکنت من دفع هذه الأعداد من الجند وتحویل فکرهم، فباتوا یتقربون علی السلطة بقتل أبناء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتقطیع رؤوسهم وسحق أجسادهم، والتفاخر بذلک وکأن محمداً لم یبعث فیهم؛ أو

ص: 280

کأنهم حققوا ما عجز عنه آباؤهم وأجدادهم فی قتل محمد بن عبد الله صلی الله علیه وآله وسلم، بهذه الطریقة التی قتلوا فیها أبناءه وبناته وأحفاده... فذبحوا التکبیر بالتکبیر!

فسلام علی الحسین یوم ولد.. ویوم استشهد.. ویوم یبعث حیاً.

((...وَمَا تَوْفِیقِی إِلاّ بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ))(1).

((وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ))(2).

تم بحمد الله تعالی وسابق لطفه فی یوم الأحد 22/شعبان/1434ه_.

الموافق: 30 /حزیران / 2013م

ص: 281

ص: 282

10. الإستراتیجیة وتاریخها فی العالم / تألیف: ج.ل. لیدل هارت / ترجمة: الهیثم الأیوبی / نشر وطبع: دار الطلیعة لسنة 1421ه_ / الطبعة الرابعة / بیروت - لبنان.

11. إعلام الوری بأعلام الهدی / تألیف: الشیخ أبی علی الفضل بن الحسن الطبرسی / تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث / الطبعة الأولی / نشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث / سنة الطبع: 1417ه_ / قم المقدسة.

12. أعیان الشیعة / السید محسن الأمین / نشر: دار التعارف للمطبوعات / سنة الطبع: 1413ه_ / بیروت - لبنان.

13. الاکتفاء بما تضمنه من مغازی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم / تألیف: أبو الربیع سلیمان بن موسی بن سالم الحمیری الکلاعی الاندلسی / تحقیق: محمد عبد القادر عطا / الطبعة الأولی / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1427ه_ / بیروت.

14. الأمالی / تألیف الشیخ الطوسی رحمه الله / تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة مؤسسة البعثة / الطبعة الأولی / نشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزیع / سنة الطبع: 1414ه_ / قم المقدسة.

15. الأمالی / تألیف: الشیخ الصدوق (ت 381ه_) / تحقیق: قسم الدراسات الإسلامیة / الطبعة الأولی / نشر: مرکز الطباعة والنشر فی مؤسسة البعثة / سنة الطبع: 1417ه_ / قم المقدسة.

16. الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام / تألیف: السید نبیل الحسنی / الطبعة الأولی / نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامیة فی العتبة الحسینیة المقدسة / سنة الطبع: 1430ه_ / بیروت.

17. أنساب الأشراف / تألیف: البلاذری / تحقیق: محمود الفردوس العظم / الطبعة الأولی / نشر: دار الیقظة العربیة / سنة الطبع: 1997م / دمشق - سوریا.

18. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار / تألیف: العلامة الشیخ محمد باقر المجلسی / الطبعة الثانیة المصححة / نشر: مؤسسة الوفاء / سنة الطبع: 1403ه_، 1983م / بیروت - لبنان.

19. البدایة والنهایة / تألیف: ابن کثیر (ت 774ه_) / تحقیق وتدقیق وتعلیق: علی شیری / الطبعة الأولی / نشر: دار إحیاء التراث العربی / سنة الطبع: 1408ه_، 1998م / بیروت.

20. بصائر الدرجات الکبری فی فضائل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم / الشیخ محمد ابن الحسن بن فروخ الصفار / الطبعة الأولی / ترجمة السید محمد السید حسین المعلم / نشر: المکتبة الحیدریة / سنة الطبع: 1426ه_ / قم المقدسة - إیران.

ص: 283

21. بغیة الطلب فی تاریخ حلب / تألیف: الصاحب کمال الدین ابن العدیم عمر بن أحمد بن أبی جرادة / تحقیق: سهیل زکار / نشر وطبع: دار الفکر / بیروت - لبنان.

22. تاریخ الطبری / تألیف: أبی جعفر محمد بن جریر الطبری / تحقیق ومراجعة وتصحیح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء / الطبعة الرابعة / نشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات / سنة الطبع: 1403ه_، 1983م / بیروت - لبنان.

23. تاریخ مدینة دمشق / تألیف: ابن عساکر / تحقیق: علی شیری / نشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع / سنة الطبع: 1415ه_ / بیروت - لبنان.

24. تجارب الأمم / تألیف: أحمد بن محمد مسکویه الرازی (ت 421ه_) / تحقیق: الدکتور أبو القاسم إمامی / نشر: دار سروش للطباعة والنشر لسنة 1422ه_، 2001م / الطبعة الثانیة / طبع: مطابع دار سروش / طهران - إیران.

25. تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم / تألیف: ابن شعبة الحرانی / تصحیح وتحقیق: علی أکبر الغفاری / الطبعة الثانیة / نشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین / سنة الطبع: 1404ه_، 1983م / قم المقدسة - إیران.

26. تفسیر السمرقندی / تألیف: نصر بن محمد بن إبراهیم السمرقندی الحنفی / تحقیق: د. محمود مطرجی / الطبعة الأولی / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1427ه_ / بیروت - لبنان.

27. تهذیب تاریخ دمشق / تألیف: ابن عساکر، علی بن الحسن بدران، عبد القادر / نشر وطبع: مطبعة روضة الشام لسنة 1911م / دمشق - سوریا.

28. توضیح المشتبه / تألیف: محمد بن عبد الله القیسی الدمشقی (ابن ناصر الدین) (ت 842ه_) / نشر: مؤسسة الرسالة لسنة 1414ه_، 1993م / الطبعة الثانیة / بیروت - لبنان.

29. تولی القیادة فن القیادة العسکریة وعلمها / تألیف: العقید صامویل هیز والمقدم ولیم توماس / ترجمة: سامی هاشم / نشر وطبع: المؤسسة العربیة للدراسات لسنة 1983م / الطبعة الأول / بیروت - لبنان.

30. الثاقب فی المناقب / تألیف: محمد بن علی الطوسی (المعروف بابن حمزة) / تحقیق: نبیل رضا علوان / الطبعة الثانیة / نشر: مؤسسة أنصاریان / سنة الطبع: 1412ه_ / قم المقدسة.

31. الثقات / تألیف: محمد بن حبان التمیمی البستی / الطبعة الأولی / نشر: مؤسسة الکتب الثقافیة / سنة الطبع: 1393م / حیدر آباد الدکن الهند.

32. الجرح والتعدیل / تألیف: عبد الرحمن بن أبی حاتم محمد بن إدریس أبو محمد الرازی

ص: 284

التمیمی / الطبعة الأولی / نشر: دار إحیاء التراث العربی / سنة الطبع: 1952م / بیروت.

33. الجمال فی عاشوراء / تألیف: السید نبیل الحسنی / نشر: قسم الشؤون الفکریة - العتبة الحسینیة المقدسة لسنة 1428ه_، / طبع: مؤسسة الأعلمی / الطبعة الأولی / کربلاء المقدسة - العراق.

34. الجیش والسلاح دراسات فی تاریخ العراق وحضارته / تألیف: نخبة من أساتذة التاریخ / نشر وطبع: دار الحریة للطباعة لسنة 1408ه_ / الطبعة الأولی / بغداد - العراق.

35. الحدائق الوردیة فی مناقب أئمة الزیدیة / تألیف: حمید بن أحمد بن محمد المحلی / تحقیق: د. المرتضی بن زید المحطوری الحسنی / نشر وطبع: مکتبة مرکز بدر للطباعة والنشر والتوزیع لسنة 1423ه_ن 2002م / الطبعة الثانیة.

36. الخرائج والجرائح / تألیف: قطب الدین الراوندی (ت 573ه_) / تحقیق: مؤسسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف / الطبعة الأولی، کاملة محققة / نشر: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام / سنة الطبع: 1409ه_، 1988م / قم المقدسة - إیران.

37. الخصال / تألیف: الشیخ محمد بن علی الصدوق (ت 381ه_) / تحقیق وتعلیق: علی أکبر الغفاری / نشر: منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة / سنة الطبع: 18 ذی القعدة الحرام 1403ه_ / قم المقدسة.

38. خصائص أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب - علیه السلام - / تألیف: أبو عبد الرحیم أحمد بن شعیب النسائی (ت 303ه_) / طبع: مکتبة المعلا لسنة 1406ه_، 1986م / الطبعة الأولی / الکویت.

39. الدر النظیم / تألیف: یوسف بن حات الشامی المشغری العاملی (ت 664ه_) / نشر وطبع: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین / قم المقدسة - إیران.

40. الدرر فی اختصار المغازی والسیر / تألیف: الحافظ یوسف بن عبد البر النمری (ت 463ه_) / نشر وطبع: دار الکتب العلمیة / الطبعة الأولی / بیروت - لبنان.

41. دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی / تألیف: السید نبیل الحسنی / نشر: قسم الشؤون الفکریة - العتبة الحسینیة المقدسة لسنة 1432ه_ / طبع: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات / الطبعة الأولی / کربلاء المقدسة - العراق.

42. الدمعة الساکبة فی أحوال النبی والعترة الطاهرة / المولی محمد باقر عبد الکریم البهبهانی / الطبعة الأولی / نشر مؤسسة الأعلمی ، سنة الطبع: 1408ه_ / بیروت.

43. دول الإسلام مختصر تاریخ الإسلام / تألیف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبی (ت 748ه_) /

ص: 285

مخطوطة ترقد فی مکتبة باتافیا بجاکرتا یحمل الرقم (988).

44. ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی / تألیف: محب الدین أحمد بن عبد الله الطبری / نشر: دار المعرفة / بیروت - لبنان.

45. روضة الواعظین / تألیف: محمد بن الفتال النیسابوری / تحقیق: مجتبی الغرجی / الطبعة الأولی / نشر: دلیل ما / سنة الطبع: 1423ه_ / قم المقدسة - إیران.

46. سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم دراسة فی تاریخ سبی النساء وعلة إخراج الإمام الحسین علیه السلام عیاله إلی کربلاء / تألیف: السید نبیل الحسنی / نشر: قسم الشؤون الفکریة - العتبة الحسینیة المقدسة لسنة 1433ه_، 2012م / طبع: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات / الطبعة الأولی / کربلاء المقدسة - العراق.

47. سنن الترمذی / تألیف: الترمذی / تحقیق وتصحیح: عبد الوهاب عبد اللطیف / الطبعة الثانیة / نشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع / سنة الطبع: 1403ه_، 1983م / بیروت.

48. السیرة النبویة / تألیف: ابن هشام / تحقیق: مصطفی السقا / الطبعة الأولی / نشر: مؤسسة علوم القرآن / بیروت.

49. شرح مقامات الحریری / تألیف: أبو العباس أحمد عبد المؤمن القیسی الشریشی / تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم / نشر وطبع: دار المکتبة العصریة لسنة 1413ه_، 1992م.

50. شرح نهج البلاغة / تألیف: ابن أبی الحدید المعتزلی / تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم / الطبعة الأولی / نشر: دار إحیاء الکتب العربیة / سنة الطبع: 1378ه_، 1959م / بغداد.

51. شرح نهج البلاغة / تألیف: ابن میثم البحرانی (ت 679ه_) / عنی بتصحیحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها / نشر وطبع: مرکز النشر مکتب الإعلام الإسلامی - الحوزة العلمیة لسنة 1403ه_، 1983م / الطبعة الأولی / قم المقدسة - إیران.

52. صحیح البخاری / تألیف: أبو عبد الله محمد بن إسماعیل بن المغیرة بن البخاری / الطبعة الرابعة / نشر: عالم الکتب / سنة الطبع: 1405ه_ / بیروت.

53. صحیح مسلم / تألیف: محی الدین النووی الشافعی / تحقیق: د. محمد عبد الرحمن المرعشلی / الطبعة الأولی / نشر: دار إحیاء التراث العربی / سنة الطبع: 1420ه_ / بیروت.

54. الصواعق المحرقة فی الرد علی أهل البدع والزندقة / تألیف: أحمد بن حجر الهیتمی المکی / خرج أحادیثه وعلق حواشیه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطیف / الطبعة الثانیة / نشر: مکتبة القاهرة لصاحبها علی یوسف سلیمان / سنة الطبع: 1385ه_، 1965م / القاهرة - مصر.

55. الطبقات الکبری / تألیف: محمد بن سعد / الطبعة الأولی / نشر: دار صادر - دار بیروت /

ص: 286

سنة الطبع: 1376ه_ / بیروت.

56. الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف / تألیف: السید ابن طاووس / الطبعة الأولی / نشر: مؤسسة الخیام / سنة الطبع: 1399ه_ / قم المقدسة.

57. علم النفس العسکری / تألیف: د. محمد شحاته ربیع / نشر وطبع: دار المسیرة لسنة 2010م / الطبعة الأولی / عمان.

58. العوالم، الإمام الحسین علیه السلام / تألیف: الشیخ عبد الله البحرانی (ت 1130ه_) / تحقیق: مدرسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف / إشراف: السید محمد باقر الموحد الأبطحی الأصفهانی / نشر: مدرسة الإمام المهدی علیه السلام فی الحوزة العلمیة لسنة 1407ه_، 1987م / طبع: مطبعة الأمیر / الطبعة الأولی المحققة / قم المقدسة - إیران.

59. الفتوح / تألیف: أبی محمد أحمد بن أعثم الکوفی / تحقیق: علی شیری / الطبعة الأولی / نشر: دار الأضواء / سنة الطبع: 1411ه_ / بیروت.

60. فتوح البلدان / تألیف: أحمد بن یحیی بن جابر البلاذری (ت 279ه_) / نشر وإلحاق وفهرسة: الدکتور صلاح الدین المنجد / نشر: مکتبة النهضة المصریة لسنة 1956م / طبع: مطبعة لجنة البیان العربی / القاهرة - مصر.

61. الفصول المهمة فی معرفة الأئمة / تألیف: علی بن محمد بن احمد المالکی (ابن الصباغ) / تحقیق: سامی الغریری / الطبعة الأولی / نشر: دار الحدیث للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1422ه_ / قم المقدسة - إیران.

62. فضائل الصحابة / تألیف: أحمد بن شعیب المعروف بالنسائی / الطبعة الأولی / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1405ه_، 1984م / بیروت - لبنان.

63. الفن العسکری الإسلامی - أصوله ومصادره / تألیف: د. یاسین سوید / نشر وطبع: شرکة المطبوعات لسنة 2010م / الطبعة الثالثة / بیروت - لبنان.

64. فیض القدیر شرح الجامع الصغیر / تألیف: المناوی / تصحیح: أحمد عبد السلام / الطبعة الأولی / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1415ه_، 1994م / بیروت - لبنان.

65. کامل الزیارات / تألیف: الشیخ أبی القاسم جعفر بن محمد القمی / تحقیق: الشیخ جواد القیوم الأصفهانی / الطبعة الثالثة / نشر: دار نشر الفقاهة / سنة الطبع: 1424ه_ / قم المقدسة - إیران.

66. الکامل فی التاریخ / تألیف: ابن الأثیر / نشر: دار صادر / سنة الطبع: 1386ه_، 1966م / بیروت.

ص: 287

67. کتاب سلیم بن قیس الهلالی / سلیم بن قیس الهلالی / تحقیق: الشیخ محمد باقر الأنصاری الزنجانی / الطبعة الثالثة / نشر: دار دلیل ما / سنة الطبع: 1423ه_ / قم المقدسة - إیران.

68. کمال الدین وتمام نعمة / تألیف: الشیخ أبو جعفر محمد بن علی الصدوق / تحقیق: الشیخ حسین الأعلمی / الطبعة الثانیة / نشر: مؤسسة الأعلمی / سنة الطبع: 1424ه_ / بیروت - لبنان.

69. کنز الفوائد / تألیف: أبو الفرج الکراکجی (ت 449ه_) / نشر: مکتبة المصطفوی لسنة 1412ه_، 1992م / طبع: مطبعة الغدیر / الطبعة الثانیة / قم المقدسة - إیران.

70. لسان العرب / تألیف: جمال الدین محمد بن مکرم بن منظور الأنصاری المصری / تحقیق: عامر أحمد حیدر / الطبعة الأولی / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1424ه_ / بیروت.

71. اللهوف فی قتلی الطفوف / السید رضی الدین أبی القاسم بن طاووس / الطبعة الثانیة / نشر: أنوار الهدی / سنة الطبع: 1423ه_ / قم المقدسة - إیران.

72. لواعج الأشجان فی مقتل الحسین علیه السلام / السید محسن الأمین العاملی / تحقیق: السید حسن الأمین / الطبعة الأولی / نشر: دار الأمیر / سنة الطبع: 1417ه_ / بیروت.

73. مثیر الأحزان / تألیف: نجم الدین جعفر بن محمد بن نما الحلی / الطبعة الأولی / نشر: دار العلوم / سنة الطبع: 1423ه_ / بیروت.

74. المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة / تألیف: السید شرف الدین (ت 1377ه_) / مراجعة وتحقیق: محمود بدری / نشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة لسنة 1421ه_، 2002م / طبع: مطبعة العترة / الطبعة الأولی / قم المقدسة - إیران.

75. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / تألیف: الحافظ نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی / تحقیق عبد الله محمد الدرویش / الطبعة الأولی / نشر: دار الفکر / سنة الطبع: 1425ه_ / بیروت.

76. مختصر بصائر الدرجات / تألیف: حسن بن سلیمان الحلی / الطبعة الأولی / نشر: منشورات المطبعة الحیدریة / سنة الطبع: 1370ه_، 1950م / النجف الأشرف - العراق.

77. المخصص / تألیف: ابن سیده (ت 458ه_) / تحقیق: لجنة إحیاء التراث العربی / نشر وطبع: دار إحیاء التراث العربی / بیروت - لبنان.

78. المستدرک علی الصحیحین / تألیف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاکم النیسابوری / تحقیق: مصطفی عبد القادر عطا / الطبعة الثانیة / نشر: دار الکتب العلمیة / سنة الطبع: 1422ه_ / بیروت.

79. مسند أحمد / تألیف: احمد بن محمد بن حنبل / تحقیق: احمد محمد شاکر / نشر: مکتبة

ص: 288

التراث الإسلامی / القاهرة - مصر.

80. المصنف / تألیف: عبد الله بن محمد بن أبی شیبة الکوفی العبسی / تحقیق وتعلیق: سعید اللحام / الطبعة الأولی / نشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع / سنة الطبع: جمادی الآخرة 1409ه_، 1989م / بیروت.

81. المعجم الکبیر / تألیف: أبی القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی / تحقیق: حمدی عبد المجید السلفی / الطبعة الأولی / نشر: الدار العربیة للطباعة / سنة الطبع: 1319ه_ / بیروت.

82. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهیة / تألیف: محمود عبد الرحمن عبد المنعم / نشر وطبع: دار الفضیلة / القاهرة - مصر.

83. المغازی / تألیف: محمد بن عمر الواقدی / تحقیق: د. مارسدن جونس / نشر: مکتب الإعلام الإسلامی / سنة الطبع: 1414ه_ / قم المقدسة - إیران.

84. مقاتل الطالبیین / تألیف: أبی الفرج الأصفهانی / الطبعة الأولی / نشر: دار التربیة / بغداد - العراق.

85. مقتل الإمام الحسین بن علی علیه السلام / تألیف: أبو مخنف لوط بن یحیی بن سعید الغامدی الأزدی الکوفی / تحقیق: کامل سلمان الجبوری / الطبعة الأولی / نشر: دار المحجة البیضاء / سنة الطبع: 1420ه_ / بیروت.

86. مقتل الإمام الحسین علیه السلام / السید عبد الرزاق الموسوی المقرم / الطبعة الأولی / نشر: مؤسسة النور / سنة الطبع: 1423ه_ / بیروت.

87. مقتل الحسین / تألیف: أبو المؤیّد الموفق بن أحمد المکی أخطب خوارزم المعروف بالخوارزمی / تحقیق: الشیخ محمد السماوی / الطبعة الثانیة / نشر: دار أنوار الهدی / سنة الطبع: 1423ه_، 2002م / قم المقدسة - إیران.

88. مناقب آل أبی طالب / تألیف: ابن شهر آشوب / تحقیق: د. یوسف البقاعی / الطبعة الأولی / نشر: مرکز الأبحاث العقائدیة / سنة الطبع: 1421ه_ / قم المقدسة.

89. مناقب الإمام علی علیه السلام / تألیف: محمد بن سلیمان الکوفی / تحقیق: الشیخ محمد باقر المحمودی / الطبعة الأولی / نشر: مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة / سنة الطبع: محرم الحرام 1412ه_ / قم المقدسة - إیران.

90. المنتظم فی تاریخ الأمم والملوک / تألیف: ابن الجوزی (ت 597ه_) / دراسة وتحقیق: محمد عبد القادر عطا ومصطفی عبد القادر عطا / مراجعة وتصحیح: نعیم زرزور / نشر وطبع: دار

ص: 289

الکتب العلمیة لسنة 1412ه_، 1992م / الطبعة الأولی / بیروت - لبنان.

91. نفس المهموم فی مصیبة سیدنا الحسین المظلوم / الشیخ عباس القمی / الطبعة الأولی / نشر: انتشارات ذوی القربی / سنة الطبع: 1421ه_ / قم المقدسة - إیران.

92. نهایة الأرب فی فنون الأدب / تألیف: النویری / نشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومی / القاهرة - مصر.

93. نهج البلاغة للإمام أمیر المؤمنین ومولی الموحدین علی بن أبی طالب علیه السلام / تجمیع: الشریف الرضی، السید محمود المرعشی / نشر: مکتبة السید المرعشی / سنة الطبع: 1406ه_ / قم المقدسة - إیران.

94. الهدایة الکبری / تألیف: الحسین بن حمدان الخصیبی / الطبعة الرابعة / نشر: مؤسسة البلاغة للطباعة والنشر والتوزیع / سنة الطبع: 1411ه_، 1991م / بیروت - لبنان.

95. وسائل الشیعة / تألیف: الحر العاملی / تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث / الطبعة الثانیة / نشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث / سنة الطبع: 1414ه_ / قم المقدسة - إیران.

96. الیحموم فرس جبرائیل علیه السلام فی عاشوراء، فی القرآن والسنة والتاریخ والأدب / تألیف: السید نبیل الحسنی / نشر: قسم الشؤون الفکریة - العتبة الحسینیة المقدسة لسنة 2012م / طبع: مؤسسة الأعلمی / الطبعة الثانیة / کربلاء المقدسة - العراق.

97. ینابیع المودة لذوی القربی / تألیف: الشیخ سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی / تحقیق: سید علی جمال أشرف الحسینی / الطبعة الأولی / نشر: دار الأسوة للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1416ه_ / بیروت - لبنان.

ص: 290

ص: 291

ألف: الفلسفة

باء: القانون الأخلاقی.

جیم: العلم.

دال: السمات الإیجابیة للشخصیة العسکریة فی علم النفس العسکری.

1 - الثقة بالذات (Self Confidene)

2 - المخاطرة (Risk Taking)

3 - مرکز الضبط (Locus of Control) أو محور الضبط..

المسألة الثانیة: إستراتیجیة الروح المعنویة لأصحاب الإمام الحسین علیه السلام والإعداد النفسی للمعرکة 

أولاً: تعریف الروح المعنویة

ثانیاً: أسس الروح المعنویة والقتالیة فی القرآن.

ألف: التحریض علی القتال

باء: القتال فی سبیل الله له استحقاقات ینالها المقاتل.

جیم: تصنیف العدو بأنه من أولیاء الشیطان

دال: الإمداد الإلهی للمعرکة

هاء: الوعد بالنصر لمن ینصر الله.

ثالثاً: أسس الروح المعنویة والقتالیة لدی أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب صلوات الله وسلامه علیه وانعکاساتها التطبیقیة فی الإستراتجیة العسکریة فی یوم عاشوراء 

ألف: تقدیم الله جل وعلا علی جمیع العوالق والروابط الشخصیة والاجتماعیة

باء: الصدق.

جیم: إن النصر من عند الله تعالی.

رابعاً: أسس الروح المعنویة فی الدراسات العسکریة والحربیة

ألف: روح الجماعة وتماسکها

باء: روح التضامن فی قدسیة القضیة التی حملتها الجماعة

جیم: حینما یکون الرمز مقدساً فقد بلغت الروح المعنویة ذروتها

خامساً: مکونات الروح المعنویة لدی أصحاب الإمام الحسین علیه السلام

ص: 292

المکون الأول: القتال فی سبیل الله تعالی.

المکون الثانی: إن الغلبة عندهم هی الأجر العظیم.

المکون الثالث: إن الغنیمة هی الآخرة

المکون الرابع: إن الموت سعادة حینما یکون وسیلة للحیاة الأبدیة المنعمة وقد تجسد فی القیادة علی أرض الطف   

المکون الخامس: إنّهم یقاتلون جند الشیطان؛ وشأنیة الانتساب للسماء فی بناء الروح المعنویة 

المکون السادس: دور الإمداد الإلهی للجند فی إیصال المعنویات إلی الذروة

المکون السابع: یقینهم بالنصر الإلهی مع الفارق فی تحقق إستراتیجیة النصر الفکری والقیمی  

المبحث الثالث

الإستراتیجیة العسکریة والإستراتیجیة العلیا عند الإمام الحسین علیه السلام 

المسألة الأولی: إستراتیجیة الترصیص (بناء القوة المحاربة فکریاً، ونفسیاً، وبدنیا) 

أولاً: بناء القلب علی التوحید.

ثانیاً: آثار تهجد الإمام الحسین علیه السلام فی بناء الروح القتالیة وانعکاسها علی الأعداء وسیر المعرکة

ألف: الأثر الرسالی.

باء: الأثر النفسی.

جیم: الأثر العسکری.

المسألة الثانیة: (الإستراتیجیة الدفاعیة) تهیئة الخطوط الدفاعیة قبل البدء بالمعرکة 

أولاً: دراسة أرض المعرکة

ثانیاً: حفر الخندق.

ص: 293

ثالثا: جمع الخیام مع بعضها

رابعاً: إضرام النار فی الخندق.

خامساً: جعل القتال فی جهة واحدة وأثره فی مرکز تفکیر الجیش وتوازنه

المسألة الثالثة: تعبئة الجند.

ألف: إستراتیجیة الإمام الحسین علیه السلام فی تنظیم المقاتلین..

باء: إستراتیجیة العدو فی التعبئة العامة وتنظیم الجیش....

المسألة الرابعة: التجهیزات العسکریة لجیش الکوفة وأنواع الأسلحة المستخدمة فی معرکة الطف    

أولاً: صنوف الجیش....

ألف: الفرسان أو الخیالة

باء: الرجالة

جیم: الرماة

دال: المقلاعیون

ثانیاً: أنواع الأسلحة المستخدمة فی معرکة الطف....

ألف: السیف..

النوع الأول: السیف المستقیم.

النوع الثانی: السیف المقوس..

باء: الرمح.

1 - الرمح ذو السنان الورقی.

2 - الرمح ذو السنان المعینی.

3 - الرمح ذو السنان المثلث الشکل.

4 - الرمح ذو السنان المجوف..

جیم: القوس والسهم.

دال: المقلاع

هاء: العمود

واو: الدبوس..

ص: 294

زای: النبوّت..

حاء: الفأس..

طاء: الخنجر

یاء: الحربة

کاف: الترس..

ثالثا: الملابس العسکریة فی معرکة الطف....

ألف: ملابس الرأس العسکریة

1 - العمامة

2 - القلنسوة

3 - البیضة

4 - الیلب..

5 - الخوذة

6 - المغفر

7 - البرنس...

باء: ملابس البدن العسکریة

النوع الأول: الدروع الواسعة

النوع الثانی: وهی الدروع البتراء أو القصیرة

النوع الثالث: الدروع الناعمة

النوع الرابع: الدروع ذات الحلق.

جیم: القمصان والسراویل والأقبیة وغیرها

1 - القمیص....

2 - السروال.

3 - القباء

4 - التبان.

دال: ملابس الأیدی والأرجل.

ص: 295

المبحث الرابع

استراتیجیات الهجوم غیر المباشر لبلوغ الهدف

المسألة الأولی: إستراتیجیة الهجوم المضاد قبل الاشتباک مع العدو «أکره أن أبدأهم بقتال» 

المسألة الثانیة: إستراتیجیة التضاد ودورها فی تحدید معالم الحرب (انقلاب الأمة علی الذات فاختصمت فی التوحید) 

أولاً: خطبة الإمام الحسین الأولی ودورها فی تحدید معالم الحرب...

ثانیاً: خطبة الإمام الحسین علیه السلام الثانیة ودورها فی تحدید معالم انقلاب الأمة

ثالثا: خطبة بریر رضوان الله تعالی علیه ودورها فی بیان إصرار العدو علی هتک حرمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

رابعاً: خطبة زهیر بن القین رضوان الله تعالی علیه ودورها فی بیان عقیدة العسکرین..

خامساً: خطبة الحر بن یزید الریاحی رضوان الله تعالی علیه ودورها فی بیان حرمة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وتلازمها بحرمة أهل بیته علیهم السلام 

1 - عبد الله بن حوزة التمیمی.

2 - محمد بن الأشعث..

المسألة الثالثة: الانتقال إلی الإستراتیجیة الشاملة (أخسر المعرکة لکن أربح الحرب) 

ص: 296

المبحث الخامس

فنون معرکة الطف العسکر یة والتکتیکات القتالیة التی استخدمها الإمام الحسین علیه السلام

أولاً: نظام الصفوف فی القتال.

ثانیاً: نظام المبارزة الفردیة فی القتال.

المسألة الأولی: تقدیم نظام المبارزة الفردیة والثنائیة علی نظام الصفوف والعلة فی ذلک    

أولاً: ابتداء المعرکة بقتال النخبة (إستراتیجیة تحطیم الروح المعنویة)

1 - مبارزة عبد الله بن عمیر الکلبی لیسار مولی زیاد، ولسالم مولی عبید الله بن زیاد

2 - مبارزة أربعة من أصحاب الحسین علیه السلام فی آن واحد

ثانیاً: نتائج مبارزة عبد الله بن عمیر الکلبی، وما تلاه من مبارزة الأربعة من أصحاب الحسین علیه السلام علی سیر المعرکة ضمن إستراتیجیة تحطیم الروح المعنویة للعدو 

المسألة الثانیة: تغییر جیش الکوفة نظام القتال من المبارزة إلی هجوم المیمنة فیقابلها الإمام الحسین علیه السلام بنظام الصفوف وتطبیق إستراتیجیة الدفاع والهجوم المزدوج..

المسألة الثالثة: محاولة إنعاش الروح المعنویة لجیش الکوفة وإحباط خضیر ابن بر یر لهذه المحاولة من خلال المباهلة

المسألة الرابعة: إرجاع نظام القتال إلی المبارزة الفردیة بعد حادثة المباهلة بین بریر بن خضیر  ویزید بن معقل   

أولاً: مبارزة عمرو بن قرظة الأنصاری..

ثانیاً: مبارزة الحر بن یزید الریاحی بعد استشهاد عمرو بن قرظة الأنصاری، وانعکاساته علی الروح المعنویة للمعسکر المعادی، وهو الخروج الأول له فی معرکة الطف   

ص: 297

ثالثا: مبارزة نافع بن هلال البجلی بعد خروج الحر بن یزید الریاحی تکشف عن محور عقیدة الجند فی معسکر بنی أمیة

رابعاً: نتائج مبارزة عمرو بن قرظة الأنصاری، والحر بن یزید الریاحی، ونافع ابن هلال البجلی العسکریة والعقدیة لمعرکة الطف....

ألف: النتائج العسکریة لهذه المرحلة من المعرکة

باء: النتائج العقدیة لهذه المرحلة من المعرکة

المسألة الخامسة: إقرار قادة جیش الکوفة بالخسارة العسکریة والعقدیة فسارعوا إلی تغییر نظام القتال من المبارزة الفردیة إلی هجوم المیمنة والمیسرة علی معسکر الإمام الحسین علیه السلام.

أولاً: هجوم میمنة جیش الکوفة علی أصحاب الحسین علیه السلام

ألف: شرعنة القتال وتحریض الجند علی قتل الحسین وأهل بیته وأصحابه علیهم السلام بإطلاق منهج التکفیر 

1 - الخروج عن الدین.

2 - مخالفة الحاکم الذی اکتسب رتبة الإمامة

باء: فشل هجوم میمنة جیش عمر بن سعد للمرة الثانیة

فأما من الناحیة العسکریة

أما من الناحیة العقدیة

ثانیاً: هجوم المیسرة بقیادة شمر بن ذی الجوشن وفشله

المسألة السادسة: عمر بن سعد یغیر خطة الحرب إلی الهجوم من کل جانب علی الإمام الحسین علیه السلام وأصحابه، فیقابلها الإمام بإستراتیجیة جدیدة

أولاً: إستراتیجیة خلق توازن القوی (صد الهجوم بالمقاتلة الشدیدة)

ثانیاً: إستراتیجیة تحویل القوة الدفاعیة إلی قوة هجومیة فی رد هجوم العدو وإفشاله

المسألة السابعة: الإمام الحسین علیه السلام یغیر نظام القتال بعد هجوم العدو بهجوم معاکس یشنه الفرسان من کل جانب ونجاح هذه الإستراتیجیة (مفاجأة العدو بتحویل الدفاع هجوماً من کل جانب) 

ص: 298

أولاً: حقائق یکشفها النص التاریخی..

ثانیاً: عقر الرماة لخیل أصحاب الإمام الحسین علیه السلام زاد فی خسائر العدو وشدة القتال.

المسألة الثامنة: إفشال محاولة عمر بن سعد لفتح جبهة جدیدة للقتال..

أولاً: ظهور حالة الإحباط علی العدو لفشله المتکرر فی المعرکة

ثانیاً: هجوم زهیر بن القین فی عشرة من أصحابه علی شمر بن ذی الجوشن وجنده ودحرهم من المخیم.

المسألة التاسعة: حلول الزوال وتغییر نظام القتال إلی المبارزة الفردیة والثنائیة (إستراتیجیة الردع المقدس)

أولاً: نظام المبارزة الفردیة یتقدمها قائد المیسرة حبیب بن مظاهر الأسدی واستشهاده عند حلول زوال الشمس

ثانیاً: نظام المبارزة الثنائیة قبل أداء صلاة الظهر ویقوم بها الحر بن یزید الریاحی وزهیر بن القین..

المسألة العاشرة: تنافس الأصحاب فی الاستشهاد بین یدی الإمام الحسین علیه السلام بعد صلاة الظهر حتی استشهدوا جمیعاً

أولاً: قتال من بقی من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام بنظام المبارزة الفردیة فکان قتالاً لیس له نظیر فی الفداء والأداء

ألف: صلابة سعید بن عبد الله الحنفی وجلادته فی وقوفه أمام الحسین أثناء الصلاة لیدفع عنه السهام بصدره ووجهه ولم یتحرک حتی أنهی الإمام الحسین علیه السلام صلاته

باء: قتال قائد المیمنة زهیر بن القین بین یدی الإمام الحسین علیه السلام قتالاً شدیداً

جیم: استخدام نافع بن هلال الجملی نوعین من السلاح فی قتاله مما دفع العدو لاستخدام سلاح المقلاع للقضاء علیه

ثانیاً: القتال بنظام المبارزة الثنائیة

ص: 299

1 - قتال الغفاریین.

2 - قتال الجابریین.

ثالثا: عودة القتال إلی نظام المبارزة الفردیة وبه یختم أصحاب الإمام الحسین علیه السلام حیاتهم بالشهادة

1 - حنظلة بن أسعد الشبامی.

2 - عابس بن شبیب الشاکری.

3 - جون مولی أبی ذر الغفاری.

4 - الصحابی أنس بن الحارث الکاهلی.

5 - عمرو بن جنادة وکان غلاماً فی الحادیة عشرة من عمره وقد استشهد أبوه من قبله 

6 - الحجاج الجعفی.

7 - سوار بن أبی حمیر

8 - سوید بن عمرو بن أبی المطاع، وکان آخر من استشهد من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام 

المسألة الحادیة عشرة: تحول المعرکة إلی مرحلة التعری العقدی وانعکاساتها علی الحرب وتحقق إستراتیجیة بلوغ الهدف..

أولاً: طبیعة قتال الإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته فی المعرکة بین نظام المبارزة الفردیة ونظام الخط المستقیم.

ألف: سمة قتال علی الأکبر فی تجنید الفکر

باء: نظام قتال علی الأکبر علیه السلام فی المعرکة

جیم: سمة قتال عبد الله بن مسلم بن عقیل.

دال: انتقال القتال بعد استشهاد علی الأکبر وعبد الله بن مسلم بن عقیل إلی نظام الخط المستقیم فی حملة آل أبی طالب علیهم السلام

هاء: اعتماد من بقی من أبناء علی بن أبی طالب علیهم السلام نظام المبارزة الفردیة

ص: 300

ثانیا: الحکمة فی تأخیر خروج حامل اللواء العباس بن علی بن أبی طالب علیهما السلام علی سیر المعرکة

ثالثا: ممیزات العدة القتالیة لسید الشهداء الإمام الحسین علیه السلام

رابعاً: إستراتیجیة الإمام الحسین علیه السلام فی قتاله حینما نزل ساحة المعرکة

المسألة الثانیة عشرة: الآثار التی حققتها الإستراتیجیة القتالیة للإمام الحسین علیه السلام فی قتاله جیش السلطة حینما نزل ساحة المعرکة

أولاً: نزول الإمام الحسین إلی ساحة المعرکة کشف عن منهج السلطة بتجنید فکر الجند علی بغض علی بن أبی طالب علیهما السلام 

ثانیاً: عاشوراء تکشف عن التباین بین عقیدة المعسکرین فی التوحید والنبوة

فهرس المصادر

المحتویات..

ص: 301

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبد الله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ثلاثة أجزاء

21 __ 23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

ص: 302

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمد جواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمد علی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبد الکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمد علی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبد الستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبد السادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة – طبعة ثانیة، مزیدة ومنقحة

60

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فانک علی حق – طبعة ثانیة

61

السید نبیل الحسنی

أبو طالب ثالث من أسلم – طبعة ثانیة، منقحة

62

ص: 303

السید نبیل الحسنی

ثقافة العید والعیدیة – طبعة ثالثة

63

الشیخ یاسر الصالحی

نفحات الهدایة – مستبصرون ببرکة الإمام الحسین علیه السلام

64

السید نبیل الحسنی

تکسیر الأصنام – بین تصریح النبی صلی الله علیه و آله و سلم وتعتیم البخاری

65

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء – طبعة ثانیة

66

محمد جواد مالک

شیعة العراق وبناء الوطن

67

حسین النصراوی

الملائکة فی التراث الإسلامی

68

السید عبد الوهاب الأسترآبادی

شرح الفصول النصیریة – تحقیق: شعبة التحقیق

69

الشیخ محمد التنکابنی

صلاة الجمعة– تحقیق: الشیخ محمد الباقری

70

د. علی کاظم المصلاوی

الطفیات – المقولة والإجراء النقدی

71

الشیخ محمد حسین الیوسفی

أسرار فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام

72

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء – طبعة ثانیة

73

السید نبیل الحسنی

سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم

74

السید نبیل الحسنی

الیحموم، -طبعة ثانیة، منقحة

75

السید نبیل الحسنی

المولود فی بیت الله الحرام: علی بن أبی طالب علیه السلام أم حکیم بن حزام؟

76

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة – طبعة ثانیة

77

السید نبیل الحسنی

ما أخفاه الرواة من لیلة المبیت علی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم

78

صباح عباس حسن الساعدی

علم الإمام بین الإطلاقیة والإشائیة علی ضوء الکتاب والسنة

79

الدکتور مهدی حسین التمیمی

الإمام الحسین بن علی علیهما السلام أنموذج الصبر وشارة الفداء

80

ظافر عبیس الجیاشی

شهید باخمری

81

الشیخ محمد البغدادی

العباس بن علی علیهما السلام

82

الشیخ علی الفتلاوی

خادم الإمام الحسین علیه السلام شریک الملائکة

83

الشیخ محمد البغدادی

مسلم بن عقیل علیه السلام

84

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق) – الطبعة الثانیة

85

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان – طبعة ثانیة

86

الشیخ وسام البلداوی

المجاب برد السلام – طبعة ثانیة

87

ابن قولویه

کامل الزیارات باللغة الانکلیزیة (Kamiluz Ziyaraat)

88

السید مصطفی القزوینی

Islam Inquiries About Shi‘a

89

السید مصطفی القزوینی

When Power and Piety Collide

90

السید مصطفی القزوینی

Discovering Islam

91

د. صباح عباس عنوز

دلالة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

92

حاتم جاسم عزیز السعدی

القیم التربویة فی فکر الإمام الحسین علیه السلام

93

الشیخ حسن الشمری الحائری

قبس من نور الإمام الحسن علیه السلام

94

الشیخ وسام البلداوی

تیجان الولاء فی شرح بعض فقرات زیارة عاشوراء

95

الشیخ محمد شریف الشیروانی

الشهاب الثاقب فی مناقب علی بن أبی طالب علیهما السلام

96

الشیخ ماجد احمد العطیة

سید العبید جون بن حوی

97

ص: 304

الشیخ ماجد احمد العطیة

حدیث سد الأبواب إلا باب علی علیه السلام

98

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام __ الطبعة الثانیة __

99

السید نبیل الحسنی

هذه فاطمة علیها السلام – ثمانیة أجزاء

100

السید نبیل الحسنی

وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وموضع قبره وروضته

101

تحقیق: مشتاق المظفر

الأربعون حدیثا فی الفضائل والمناقب- اسعد بن إبراهیم الحلی

102

تحقیق: مشتاق المظفر

الجعفریات -  جزآن

103

تحقیق: حامد رحمان الطائی

نوادر الأخبار – جزآن

104

تحقیق: محمد باسم مال الله

تنبیه الخواطر ونزهة النواظر – ثلاثة أجزاء

105

د. علی حسین یوسف

الإمام الحسین علیه السلام فی الشعر العراقی الحدیث

106

الشیخ علی الفتلاوی

This Is My Faith

107

حسین عبدالسید النصار

الشفاء فی نظم حدیث الکساء

108

حسن هادی مجید العوادی

قصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه

109

السید علی الشهرستانی

آیة الوضوء وإشکالیة الدلالة

110

السید علی الشهرستانی

عارفاً بحقکم

111

السید الموسوی

شمس الإمامة وراء سحب الغیب

112

إعداد: صفوان جمال الدین

Ziyarat Imam Hussain

113

تحقیق: مشتاق المظفر

البشارة لطالب الاستخارة للشیخ احمد بن صالح الدرازی

114

تحقیق: مشتاق المظفر

النکت البدیعة فی تحقیق الشیعة للشیخ سلیمان البحرانی

115

تحقیق: مشتاق صالح المظفر

شرح حدیث حبنا أهل البیت یکفر الذنوب للشیخ علی بن عبد الله الستری البحرانی

116

تحقیق: مشتاق صالح المظفر

منهاج الحق والیقین فی تفضیل علی أمیر المؤمنین للسید ولی بن نعمة الله الحسینی الرضوی

117

تحقیق: أنمار معاد المظفر

قواعد المرام فی علم الکلام، تصنیف کمال الدین میثم بن علی بن میثم البحرانی

118

تحقیق: باسم محمد الأسدی

حیاة الأرواح ومشکاة المصباح للشیخ تقی الدین إبراهیم بن علی الکفعمی

119

السید نبیل الحسنی

باب فاطمة علیها السلام بین سلطة الشریعة وشریعة السلطة

120

السید علی الشهرستانی

تربة الحسین علیه السلام وتحولها إلی دم عبیط فی کربلاء

121

میثاق عباس الحلی

یتیم عاشوراء من أنصار کربلاء

122

علی حسان شویلیه

المختصر المسطور لکتاب شفاء الصدور فی شرح زیارة عاشور

123

د. حیدر محمود الجدیع

نثر الإمام الحسین علیه السلام

124

الشیخ میثاق عباس الخفاجی

قرة العین فی صلاة اللیل

125

أنطوان بارا

من المسیح العائد إلی الحسین الثائر

126

السید نبیل الحسنی

ظاهرة الاستقلاب فی عرض النص النبوی والتاریخ

127